أَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُمْ أَعْلَنُوا الْعِصْيَانَ لَهُ، فَرَجَعَ مُبَادِرًا، فَوَصَلَ إِلَى قُرْطُبَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَشَفَ عَنِ الَّذِينَ أَثَارُوا الْفِتْنَةَ، فَصَلَبَهُمْ مُنَكَّسِينَ، وَضَرَبَ أَعْنَاقَ جَمَاعَةٍ، فَارْتَدَعَ الْبَاقُونَ بِذَلِكَ، وَاشْتَدَّتْ كَرَاهِيَّتُهُمْ لَهُ.
وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ مَارِدَةَ تَارَةً يُطِيعُونَ وَمَرَّةً يَعْصُونَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، فَضَعُفَ أَمْرُ أَصْبَغَ ; لِأَنَّ الْحَكَمَ تَابَعَ إِرْسَالَ الْجُيُوشِ إِلَيْهِ، وَاسْتَمَالَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ مَارِدَةَ وَثِقَاتِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَمَالُوا إِلَيْهِ، وَفَارَقُوا أَصْبَغَ، حَتَّى أَخُوهُ، فَتَحَيَّرَ أَصْبَغُ، وَضَعُفَتْ نَفْسُهُ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُ الْحَكَمُ، فَفَارَقَ مَارِدَةَ، وَحَضَرَ عِنْدَ الْحَكَمِ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ بِقُرْطُبَةَ.
ذِكْرُ غَزْوِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَجَهَّزَ لُذَرِيقُ مَلِكُ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَجَمَعَ جُمُوعَهُ لِيَسِيرَ إِلَى مَدِينَةِ طَرْطُوشَةَ لِيَحْصُرَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَكَمَ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَيَّرَهَا مَعَ وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاجْتَمَعُوا فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، وَتَبِعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ، فَسَارُوا، فَلَقُوا الْفِرِنْجَ فِي أَطْرَافِ بِلَادِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنَالُوا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَاقْتَتَلُوا، وَبَذَلَ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ جُهْدَهُ، وَاسْتَنْفَدَ وُسْعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَانْهَزَمَ الْكُفَّارُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ وَالْأَسْرُ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَثْقَالُهُمْ، وَعَادَ الْمُسْلِمُونَ ظَافِرِينَ غَانِمِينَ.
ذِكْرُ عِصْيَانِ حَزْمٍ عَلَى الْحَكَمِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ حَزْمُ بْنُ وَهْبٍ بِنَاحِيَةِ بَاجَةَ، وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ، وَقَصَدُوا لَشْبُونَةَ، وَكَانَ الْحَكَمُ يُسَمِّي حَزْمًا فِي كُتُبِهِ - النَّبَطِيَّ، فَلَمَّا سَمِعَ الْحَكَمُ خَبَرَهُ سَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنَهُ هِشَامًا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَأَذَلَّهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَطَعَ الْأَشْجَارَ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَذْعَنُوا لِطَلَبِ الْأَمَانِ، فَأَمَّنَهُ.
ذِكْرُ عَزْلِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ عَنْ خُرَاسَانَ وَوِلَايَةِ هَرْثَمَةَ
وَفِيهَا عَزَلَ الرَّشِيدُ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ عَنْ خُرَاسَانَ، وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَتْلِ ابْنِهِ عِيسَى، فَلَمَّا قُتِلَ جَزِعَ عَلَيْهِ أَبُوهُ، فَخَرَجَ عَنْ بَلْخَ إِلَى مَرْوَ مَخَافَةً عَلَيْهَا أَنْ