وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، كَانَ جِذْعًا مَقْطُوعًا فَهَزَّتْهُ فَإِذَا هُوَ نَخْلَةٌ، وَقِيلَ: كَانَ مَقْطُوعًا فَلَمَّا أَجْهَدْهَا الطَّلْقُ احْتَضَنَتْهُ فَاسْتَقَامَ وَاخْضَرَّ وَأَرْطَبَ، فَقِيلَ لَهَا: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] فَهَزَّتْهُ فَتَسَاقَطَ الرُّطَبُ فَقَالَ لَهَا: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] ، وَكَانَ مَنْ صَامَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُمْسِيَ.
فَلَمَّا وَلَدَتْهُ ذَهَبَ إِبْلِيسُ فَأَخْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ مَرْيَمَ قَدْ وَلَدَتْ، فَأَقْبَلُوا يَشْتَدُّونَ بِدَعْوَتِهَا، فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ
وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ النَّجَّارَ تَرَكَهَا فِي مَغَارَةٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا لَهَا: {يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا - يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 27 - 28] فَمَا بَالُكِ أَنْتِ؟ وَكَانَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى، كَذَا قِيلَ.
قُلْتُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ إِنَّمَا هِيَ مَنْ سِبْطِ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ مِنْ نَسْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُدْعَوْنَ بِالصَّالِحِينَ، وَهَارُونُ مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ.
قَالَتْ لَهُمْ مَا أَمَرَهَا اللَّهُ بِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْكَلَامِ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: لَسُخْرِيَتُهَا بِنَا أَشُدُّ عَلَيْنَا مِنْ زِنَائِهَا. {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29] ، فَتَكَلَّمَ عِيسَى فَقَالَ: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا - وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30 - 31] . فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْعُبُودِيَّةُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إِلَهٌ.