وَكَانَ قَوْمُهَا قَدْ أَخَذُوا الْحِجَارَةَ لِيَرْجُمُوهَا، فَلَمَّا تَكَلَّمَ ابْنُهَا تَرَكُوهَا. ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا حَتَّى كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: مَا أَحْبَلَهَا غَيْرُ زَكَرِيَّاءَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهَا، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ، فَفَرَّ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَدْرَكُوهُ فَقَتَلُوهُ.
وَقِيلَ فِي سَبَبِ قَتْلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا دَنَا نِفَاسُهَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا: أَنِ اخْرُجِي مِنْ أَرْضِ قَوْمِكِ فَإِنَّهُمْ إِذَا ظَفِرُوا بِكِ عَيَّرُوكِ وَقَتَلُوكِ وَوَلَدَكِ. فَاحْتَمَلَهَا يُوسُفُ النَّجَّارُ وَسَارَ بِهَا إِلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى تُخُومِ مِصْرَ أَدْرَكَهَا الْمَخَاضُ، فَلَمَّا وَضَعَتْ وَهِيَ مَحْزُونَةٌ قِيلَ لَهَا: لَا تَحْزَنِي الْآيَةَ إِلَى (إِنْسِيًّا) ، فَكَانَ الرُّطَبُ يَتَسَاقَطُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَصْبَحَتِ الْأَصْنَامُ مَنْكُوسَةً عَلَى رُءُوسِهَا، وَفَزِعَتِ الشَّيَاطِينُ فَجَاءُوا إِلَى إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَأَى جَمَاعَتَهُمْ سَأَلَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَادِثٌ، فَطَارَ عِنْدَ ذَلِكَ وَغَابَ عَنْهُمْ فَمَرَّ بِالْمَكَانِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ عِيسَى فَرَأَى الْمَلَائِكَةَ مُحْدِقِينَ فِيهِ، فَعَلِمَ أَنَّ الْحَدَثَ فِيهِ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ الْمَلَائِكَةُ مِنَ الدُّنُوِّ مِنْ عِيسَى، فَعَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ لَهُمْ: مَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَضِلَّ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَهْتَدِي.
وَاحْتَمَلَتْهُ مَرْيَمُ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ فَمَكَثَتِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَكْتُمُهُ مِنَ النَّاسِ، فَكَانَتْ تَلْتَقِطُ السُّنْبُلَ وَالْمَهْدُ فِي مَنْكِبَيْهَا.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي وِلَادَتِهِ بِأَرْضِ قَوْمِهَا لِلْقُرْآنِ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 27] ، وَقَوْلِهِ {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29] .
وَقِيلَ: إِنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتِ الْمَسِيحَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَمَعَهَا يُوسُفُ النَّجَّارُ، وَهِيَ الرَّبْوَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: الرَّبْوَةُ دِمَشْقُ، وَقِيلَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ الْخَوْفَ مِنْ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ مِنَ الرُّومِ، وَاسْمُهُ