يَزْعُمُونَ أَنَّكَ إِذَا لَاقَيْتَ إِبْرَاهِيمَ يَجُولُ أَصْحَابُكَ جَوْلَةً حَتَّى تَلْقَاهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَيْكَ وَتَكُونُ الْعَاقِبَةُ لَكَ.

وَلَمَّا سَارَ إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْبَصْرَةِ مَشَى لَيْلَتَهُ فِي عَسْكَرِهِ سِرًّا فَسَمِعَ أَصْوَاتَ الطَّنَابِيرِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَسَمِعَهَا أَيْضًا، فَقَالَ: مَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِ عَسْكَرٍ فِيهِ مِثْلُ هَذَا! وَسُمِعَ يُنْشِدُ فِي طَرِيقِهِ أَبْيَاتَ الْقَطَامِيِّ:

أُمُورٌ لَوْ يُدَبِّرُهَا حَلِيمٌ ... إِذًا لَنَهَى وَهَيَّبَ مَا اسْتَطَاعَا

وَمَعْصِيَةُ الشَّقِيقِ عَلَيْكَ مِمَّا ... يَزِيدُكَ مَرَّةً مِنْهُ اسْتِمَاعَا

وَخَيْرُ الْأَمْرِ مَا اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ ... وَلَيْسَ بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعَا

وَلَكِنَّ الْأَدِيمَ إِذَا تَفَرَّى ... بِلًى وَتَعَيُّبًا غَلَبَ الصُّنَّاعَا

. فَعَلِمُوا أَنَّهُ نَادِمٌ عَلَى مَسِيرِهِ.

وَكَانَ دِيوَانُهُ قَدْ أَحْصَى مِائَةَ أَلْفٍ، وَقِيلَ: كَانَ مَعَهُ فِي طَرِيقِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ.

وَقِيلَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ لِيَأْخُذَ غَيْرَ الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ عِيسَى، وَيَقْصِدَ الْكُوفَةَ فَإِنَّ الْمَنْصُورَ لَا يَقُومُ لَهُ وَيَنْضَافُ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَيْهِ، وَلَا يَبْقَى لِلْمَنْصُورِ مَرْجِعٌ دُونَ حُلْوَانَ، فَلَمْ يَفْعَلْ.

فَقِيلَ لَهُ لِيُبَيِّتَ عِيسَى. فَقَالَ: أَكْرَهُ الْبَيَاتَ إِلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِيَأْمُرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا لِيَدْعُوَ إِلَيْهِ النَّاسَ، وَقَالَ: أَدْعُوهُمْ سِرًّا ثُمَّ أَجْهَرُ، فَإِذَا سَمِعَ الْمَنْصُورُ الْهَيْعَةَ بِأَرْجَاءِ الْكُوفَةِ لَمْ يَرُدَّ وَجْهَهُ شَيْءٌ دُونَ حُلْوَانَ.

فَاسْتَشَارَ بَشِيرًا الرَّحَّالَ، فَقَالَ: لَوْ وَثِقْنَا بِالَّذِي تَقُولُ لَكَانَ رَأْيًا، وَلَكِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ تَجِيئَكَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَيُرْسِلَ إِلَيْهِمُ الْمَنْصُورُ الْخَيْلَ، فَيَأْخُذَ الْبَرِيءَ وَالصَّغِيرَ وَالْمَرْأَةَ، فَيَكُونَ ذَلِكَ تَعَرُّضًا لِلْمَأْثَمِ.

فَقَالَ الْكُوفِيُّ: كَأَنَّكُمْ خَرَجْتُمْ لِقِتَالِ الْمَنْصُورِ وَأَنْتُمْ تَتَوَقَّوْنَ قَتْلَ الضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّغِيرِ! أَوَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ سَرَايَاهُ لِيُقَاتِلَ وَيَكُونَ نَحْوُ هَذَا؟ قَالَ بَشِيرٌ: أُولَئِكَ كُفَّارٌ وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015