إِلَيْهِ غَيْرَهُ مِنَ الْقُوَّادِ. وَكَتَبَ إِلَى الْمَهْدِيِّ يَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ خُزَيْمَةَ بْنِ خَازِمٍ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَسَيَّرَهُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَوَصَلَهَا وَقَاتَلَ الْمُغِيرَةَ، فَرَجَعَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاسْتَبَاحَ خُزَيْمَةُ الْأَهْوَازَ ثَلَاثًا.
وَتَوَالَتْ عَلَى الْمَنْصُورِ الْفُتُوقُ مِنَ الْبَصْرَةِ وَالْأَهْوَازِ وَفَارِسَ وَوَاسِطَ وَالْمَدَائِنِ وَالسَّوَادِ، وَإِلَى جَانِبِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ يَنْتَظِرُونَ بِهِ صَيْحَةً، فَلَمَّا تَوَالَتِ الْأَخْبَارُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَنْشَدَ:
وَجَعَلْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً ... إِنَّ الرَّئِيسَ لِمِثْلِ ذَاكَ فَعُولُ
ثُمَّ إِنَّهُ رَمَى كُلَّ نَاحِيَةٍ بِحَجَرِهَا، وَبَقِيَ الْمَنْصُورُ عَلَى مُصَلَّاهُ خَمْسِينَ يَوْمًا يَنَامُ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مُلَوَّنَةٌ قَدْ اتَّسَخَ جَيْبُهَا، لَا غَيَّرَهَا وَلَا هَجَرَ الْمُصَلَّى، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ لَبِسَ السَّوَادَ فَإِذَا فَارَقَهُمْ رَجَعَ إِلَى هَيْئَتِهِ.
وَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ مِنَ الْمَدِينَةِ، إِحْدَاهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْأُخْرَى أُمُّ الْكَرِيمِ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ وَلَدِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِمَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمَا قَدْ سَاءَتْ ظُنُونُهُمَا. فَقَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ أَيَّامُ نِسَاءٍ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِمَا حَتَّى أَنْظُرَ رَأْسَ إِبْرَاهِيمَ لِي، أَوْ رَأْسِي لَهُ.
قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ قُتَيْبَةَ: لَمَّا تَتَابَعَتِ الْفُتُوقُ عَلَى الْمَنْصُورِ دَخَلْتُ مُسَلِّمًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَتَاهُ خَبَرُ الْبَصْرَةِ، وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَعَسَاكِرُ إِبْرَاهِيمَ قَدْ عَظُمَتْ، وَبِالْكُوفَةِ مِائَةُ أَلْفِ سَيْفٍ بِإِزَاءِ عَسْكَرِهِ يَنْتَظِرُ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَيَثِبُونَ بِهِ، فَرَأَيْتُهُ أَحْوَذِيًّا مُشَمِّرًا قَدْ قَامَ إِلَى مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ النَّوَائِبِ يَعْرُكُهَا (فَقَامَ بِهَا) ، وَلَمْ تَقْعُدْ بِهِ نَفْسُهُ.
وَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا ... وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالْإِقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا.
ثُمَّ وَجَّهَ الْمَنْصُورُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عِيسَى بْنَ مُوسَى فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَقَالَ لَهُ لَمَّا وَدَّعَهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْخُبَثَاءَ، يَعْنِي الْمُنَجِّمِينَ،