وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، حَتَّى أَحْصَى دِيوَانُهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. وَشُهِرَ أَمْرُهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ تَحَوَّلْتَ إِلَى وَسَطِ الْبَصْرَةِ أَتَاكَ النَّاسُ وَهُمْ مُسْتَرِيحُونَ. فَتَحَوَّلَ فَنَزَلَ دَارَ أَبِي مَرْوَانَ مَوْلَى بَنِي سُلَيْمٍ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي يَشْكُرَ، وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَدْ مَالَأَ عَلَى أَمْرِهِ.
وَلَمَّا ظَهَرَ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ كَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالظُّهُورِ، فَوَجَمَ لِذَلِكَ وَاغْتَمَّ، فَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يُسَهِّلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ أَمْرُكَ فَتَخْرُجُ إِلَى السِّجْنِ فَتَكْسِرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَتُصْبِحُ وَقَدِ اجْتَمَعَ لَكَ عَالَمٌ مِنَ النَّاسِ. وَطَابَتْ نَفْسُهُ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَقَدْ أَرْسَلَ ثَلَاثَةً مِنَ الْقُوَّادِ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِالْبَصْرَةِ مَدَدًا لَهُ لِيَكُونُوا عَوْنًا لَهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنْ ظَهَرَ. فَلَمَّا أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ الظُّهُورَ أَرْسَلَ إِلَى سُفْيَانَ فَأَعْلَمَهُ، فَجَمَعَ الْقُوَّادَ عِنْدَهُ.
وَظَهَرَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَغَنِمَ دَوَابَّ أُولَئِكَ الْجُنْدِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فِي الْجَامِعِ، وَقَصَدَ دَارَ الْإِمَارَةِ وَبِهَا سُفْيَانُ مُتَحَصِّنًا فِي جَمَاعَةٍ فَحَصَرَهُ، وَطَلَبَ سُفْيَانُ مِنْهُ الْأَمَانَ، فَآمَنَهُ إِبْرَاهِيمُ.
وَدَخَلَ الدَّارَ فَفَرَشُوا لَهُ حَصِيرًا، فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَقَلَبَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَتَطَيَّرَ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّا لَا نَتَطَيَّرُ. وَجَلَسَ عَلَيْهِ مَقْلُوبًا وَحَبَسَ الْقُوَّادَ وَحَبَسَ أَيْضًا سُفْيَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فِي الْقَصْرِ وَقَيَّدَهُ بِقَيْدٍ خَفِيفٍ لِيَعْلَمَ الْمَنْصُورُ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ.
وَبَلَغَ جَعْفَرًا وَمُحَمَّدًا ابْنَيْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ظُهُورُ إِبْرَاهِيمَ، فَأَتَيَا فِي سِتِّمِائَةِ رَجُلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا إِبْرَاهِيمُ الْمَضَاءَ بْنَ الْقَاسِمِ الْجَزَرِيَّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا، فَهَزَمَهُمَا، وَنَادَى مُنَادِي إِبْرَاهِيمَ: لَا يُتْبَعُ مَهْزُومٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ.
وَمَضَى إِبْرَاهِيمُ بِنَفْسِهِ إِلَى بَابِ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ الزَّيْنَبِيُّونَ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ، فَنَادَى بِالْأَمَانِ وَأَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ، فَصَفَتْ لَهُ الْبَصْرَةُ، وَوَجَدَ فِي بَيْتِ مَالِهَا أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَوِيَ بِذَلِكَ وَفَرَضَ لِأَصْحَابِهِ لِكُلِّ رَجُلٍ خَمْسِينَ خَمْسِينَ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ لَهُ الْبَصْرَةُ أَرْسَلَ الْمُغِيرَةَ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَبَلَغَهَا فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ، وَكَانَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَامِلًا لِلْمَنْصُورِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَالْتَقَوْا، فَانْهَزَمَ ابْنُ الْحُصَيْنِ وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ الْأَهْوَازَ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا وَجَّهَ الْمُغِيرَةَ بَعْدَ مَسِيرِهِ إِلَى بَاخَمْرَى، وَسَيَّرَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى فَارِسَ عَمْرَو بْنَ