قَالَ لَهُ الْمُوَكَّلُ بِالْقَنْطَرَةِ: مَا هَذَا غُلَامٌ، وَإِنَّهُ لَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، اذْهَبْ رَاشِدًا، فَأَطْلَقَهُمَا، فَرَكِبَا سَفِينَةً حَتَّى قَدِمَا الْبَصْرَةَ، فَجَعَلَ يَأْتِي بِالْجُنْدِ الدَّارَ لَهَا بَابَانِ فَيُقْعِدُ الْبَعْضَ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْبَابَيْنِ وَيَقُولُ: لَا تَبْرَحُوا حَتَّى آتِيَكُمْ، فَيَخْرُجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ وَيَتْرُكَهُمْ، حَتَّى فَرَّقَ الْجُنْدَ عَنْ نَفْسِهِ وَبَقِيَ وَحْدَهُ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ سُفْيَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَمِيرَ الْبَصْرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ، وَطَلَبَ الْقُمِّيَّ فَأَعْجَزَهُ.
وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ قَدِمَ الْأَهْوَازَ قَبْلَ ذَلِكَ وَاخْتَفَى عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ خُبَيْبٍ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ يَطْلُبُهُ، فَقَالَ يَوْمًا: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَ إِلَيَّ يُخْبِرُنِي أَنَّ الْمُنَجِّمِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَازِلٌ بِالْأَهْوَازِ فِي جَزِيرَةٍ بَيْنَ نَهْرَيْنِ، وَقَدْ طَلَبْتُهُ فِي الْجَزِيرَةِ وَلَيْسَ هُنَاكَ، وَقَدْ عَزَمْتُ أَنْ أَطْلُبَهُ غَدًا بِالْمَدِينَةِ، لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي بِقَوْلِهِ بَيْنَ نَهْرَيْنِ بَيْنَ دُجَيْلٍ وَالْمَسْرُقَانِ.
فَرَجَعَ الْحَسَنُ بْنُ خُبَيْبٍ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَخْرَجَهُ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ خَرَجَ الْحَسَنُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ، وَهُمَا عَلَى حِمَارَيْنِ، وَقْتَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَلَقِيَهُ أَوَائِلُ خَيْلِ ابْنِ الْحُصَيْنِ، فَنَزَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ حِمَارِهِ كَأَنَّهُ يَبُولُ، فَسَأَلَ ابْنُ الْحُصَيْنِ الْحَسَنَ بْنَ خُبَيْبٍ عَنْ مَجِيئِهِ، فَقَالَ: مِنْ عِنْدِ بَعْضِ أَهْلِي. فَمَضَى وَتَرَكَهُ. وَرَجَعَ الْحَسَنُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَأَرْكَبَهُ وَأَدْخَلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: وَاللَّهِ لَقَدْ بُلْتُ دَمًا. قَالَ: فَأَتَيْتُ الْمَوْضِعَ فَرَأَيْتُهُ قَدْ بَالَ دَمًا.
ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَقِيلَ: قَدِمَهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَ ظُهُورِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: قَدِمَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ الَّذِي أَقْدَمَهُ وَتَوَلَّى كَرَاهُ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، يَحْيَى بْنُ زِيَادِ بْنِ حَيَّانَ النَّبَطِيُّ، وَأَنْزَلَهُ فِي دَارِهِ فِي بَنِي لَيْثٍ.
وَقِيلَ: نَزَلَ فِي دَارِ أَبِي فَرْوَةَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَةِ أَخِيهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ مُرَّةَ الْعَبْشَمِيُّ، وَعَفْوُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَعَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ الْهُجَيْمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ الرَّقَاشِيُّ، وَنَدَبُوا النَّاسَ، فَأَجَابَهُمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ الْفَزَعِ وَأَشْبَاهٌ لَهُ.
وَأَجَابَهُ أَيْضًا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ،