إِشْرَاعَ أُمَّتِهِ الْأَسِنَّةَ لِابْنِهِ
حَتَّى تَقَطَّرَ مِنْ ظُبَاتِهِمُ دَمَا ... حَتَّى لَأَيْقَنَ أَنَّهُمْ قَدْ ضَيَّعُوا
تِلْكَ الْقَرَابَةَ وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَا.
وَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ قَامَ عِيسَى بِالْمَدِينَةِ أَيَّامًا ثُمَّ سَارَ عَنْهَا صُبْحَ تِسْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ يُرِيدُ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَثِيرَ بْنَ حُصَيْنٍ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا ثُمَّ اسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعِ الْحَارِثِيَّ.
ذِكْرُ وُثُوبِ السُّودَانِ بِالْمَدِينَةِ
وَفِيهَا ثَارَ السُّودَانُ عَلَى عَامِلِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ الْحَارِثِيِّ فَهَرَبَ مِنْهُمْ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْصُورَ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعِ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدِمَهَا لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ، فَنَازَعَ جُنْدُهُ التُّجَّارَ فِي بَعْضِ مَا يَشْتَرُونَهُ مِنْهُمْ، فَشَكَا ذَلِكَ التُّجَّارُ إِلَى ابْنِ الرَّبِيعِ، فَانْتَهَرَهُمْ وَشَتَمَهُمْ، فَتَزَايَدَ طَمَعُ الْجُنْدِ فِيهِمْ، فَعَدَوْا عَلَى رَجُلٍ صَيْرَفِيٍّ فَنَازَعُوهُ كِيسَهُ، فَاسْتَعَانَ بِالنَّاسِ فَخَلَّصَ مَالَهُ مِنْهُمْ، وَشَكَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ ابْنُ الرَّبِيعِ.
ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْجُنْدِ فَاشْتَرَى مِنْ جَزَّارٍ لَحْمًا يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَلَمْ يُعْطِهِ ثَمَنَهُ، وَشَهَرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ، فَضَرَبَهُ الْجَزَّارُ بِشَفْرَةٍ فِي خَاصِرَتِهِ فَقَتَلَهُ، وَاجْتَمَعَ الْجَزَّارُونَ، وَتَنَادَى السُّودَانُ عَلَى الْجُنْدِ، وَهُمْ يَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَتَلُوهُمْ بِالْعُمُدِ، وَنَفَخُوا فِي بُوقٍ لَهُمْ، فَسَمِعَهُ السُّودَانُ مِنَ الْعَالِيَةِ وَالسَّافِلَةِ فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، وَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: وَثِيقٌ، وَيَعْقِلُ، وَزَمْعَةُ، وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ الْجُنْدِ حَتَّى أَمْسَوْا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَصَدُوا ابْنَ الرَّبِيعِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَأَتَى بَطْنَ نَخْلٍ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَنَزَلَ بِهِ، فَانْتَهَبُوا طَعَامًا لِلْمَنْصُورِ وَزَيْتًا وَقَسْبًا فَبَاعُوا حِمْلَ الدَّقِيقِ بِدِرْهَمَيْنِ، وَرَاوِيَةَ الزَّيْتِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ.
وَسَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُلَيْحٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَنْصُورِ فَأَخْبَرَهُ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ فِي الْحَبْسِ قَدْ أُخِذَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَضُرِبَ