ذِكْرُ قَتْلِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ قَتْلُهُ بِبُوصِيرَ، مِنْ أَعْمَالِ مِصْرَ، لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ.
وَكَانَ مَرْوَانُ لَمَّا هَزَمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِالزَّابِ أَتَى مَدِينَةَ الْمَوْصِلِ وَعَلَيْهَا هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو التَّغْلِبِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْأَسَدِيُّ فَقَطَعَا الْجِسْرَ، فَنَادَاهُمْ أَهْلُ الشَّامِ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَرْوَانُ! فَقَالُوا: كَذَبْتُمْ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَفِرُّ! وَسَبَّهُ أَهْلُ الْمَوْصِلِ، وَقَالُوا: يَا جَعْدِيُّ! يَا مُعَطِّلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَزَالَ سُلْطَانَكُمْ وَذَهَبَ بِدَوْلَتِكُمْ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَتَانَا بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ سَارَ إِلَى بَلَدٍ فَعَبَرَ دِجْلَةَ وَأَتَى حَرَّانَ، وَبِهَا ابْنُ أَخِيهِ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَامِلُهُ عَلَيْهَا، فَأَقَامَ بِهَا نَيِّفًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ حَتَّى أَتَى الْمَوْصِلَ، فَدَخَلَهَا وَعَزَلَ عَنْهَا هِشَامًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ صُولٍ، ثُمَّ سَارَ فِي أَثَرِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ حَمَلَ مَرْوَانُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَمَضَى مُنْهَزِمًا، وَخَلَّفَ بِمَدِينَةِ حَرَّانَ ابْنَ أَخِيهِ أَبَانَ بْنَ يَزِيدَ، وَتَحْتَهُ أُمُّ عُثْمَانَ ابْنَةُ مَرْوَانَ.
وَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ حَرَّانَ، فَلَقِيَهُ أَبَانٌ مُسَوِّدًا مُبَايِعًا لَهُ، فَبَايَعَهُ وَدَخَلَ فِي طَاعَتِهِ، فَآمَنَهُ وَمَنْ كَانَ بِحَرَّانَ وَالْجَزِيرَةِ.
وَمَضَى مَرْوَانُ إِلَى حِمْصَ، فَلَقِيَهُ أَهْلُهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ سَارَ مِنْهَا. فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ مَنْ مَعَهُ طَمِعُوا فِيهِ، وَقَالُوا: مَرْعُوبٌ مُنْهَزِمٌ، فَاتَّبَعُوهُ بَعْدَمَا رَحَلَ عَنْهُمْ فَلَحِقُوهُ عَلَى أَمْيَالٍ.
فَلَمَّا رَأَى غَبَرَةَ الْخَيْلِ كَمَّنَ لَهُمْ، فَلَمَّا جَاوَزُوا الْكَمِينَ صَافَّهُمْ مَرْوَانُ فِيمَنْ مَعَهُ وَنَاشَدَهُمْ، فَأَبَوْا إِلَّا قِتَالَهُ، فَقَاتَلَهُمْ وَأَتَاهُمُ الْكَمِينُ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ حِمْصَ وَقُتِلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى قُرَيْبِ الْمَدِينَةِ.
وَأَتَى مَرْوَانُ دِمَشْقَ وَعَلَيْهَا الْوَلِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَرْوَانَ، فَخَلَّفَهُ بِهَا وَقَالَ: قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَهْلُ الشَّامِ. وَمَضَى مَرْوَانُ حَتَّى أَتَى فِلَسْطِينَ فَنَزَلَ نَهْرَ أَبِي فُطْرُسٍ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى فِلَسْطِينَ الْحَكَمُ بْنُ ضَبْعَانَ الْجُذَامِيُّ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيِّ فَأَجَارَهُ، وَكَانَ بَيْتُ الْمَالِ فِي يَدِ الْحَكَمِ.
وَكَانَ السَّفَّاحُ قَدْ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ يَأْمُرُهُ بِاتِّبَاعِ مَرْوَانَ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَوْصِلَ، فَتَلَقَّاهُ مَنْ بِهَا مُسَوِّدِينَ وَفَتَحُوا لَهُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى حَرَّانَ، فَتَلَّقَاهُ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ مُسَوِّدًا، كَمَا تَقَدَّمَ، فَآمَنَهُ وَهَدَمَ عَبْدُ اللَّهِ الدَّارَ الَّتِي حُبِسَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ.
ثُمَّ سَارَ مِنْ حَرَّانَ إِلَى مَنْبِجَ، وَقَدْ سَوَّدُوا، فَأَقَامَ بِهَا، وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ قِنَّسْرِينَ بِبَيْعَتِهِمْ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ