يَتَزَاوَرَانِ، فَصَارَ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ، فَأَتَى رَسُولٌ مِنْ شَرَاحِيلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ يَوْمًا بِلَبَنٍ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَخُوكَ إِنِّي شَرِبْتُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَاسْتَطَبْتُهُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْرَبَ مِنْهُ، فَشَرِبَ مِنْهُ فَتَكَسَّرَ جَسَدُهُ مِنْ سَاعَتِهِ.

وَكَانَ يَوْمًا يَزُورُ فِيهِ شَرَاحِيلَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شَرَاحِيلُ: إِنَّكَ قَدْ أَبْطَأْتَ فَمَا حَبَسَكَ؟ فَأَعَادَ إِبْرَاهِيمُ: إِنِّي لَمَّا شَرِبْتُ اللَّبَنَ الَّذِي أَرْسَلْتَ بِهِ قَدْ أَسْهَلَنِي. فَأَتَاهُ شَرَاحِيلُ فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا شَرِبْتُ الْيَوْمَ لَبَنًا، وَلَا أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَيْكَ! فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! احْتِيلَ وَاللَّهِ عَلَيْكَ.

فَبَاتَ إِبْرَاهِيمُ لَيْلَتَهُ وَأَصْبَحَ مَيِّتًا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرِمَةَ يَرْثِيهِ:

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي جَلْدًا فَضَعْضَعَنِي ... قَبْرٌ بِحَرَّانَ فِيهِ عِصْمَةُ الدِّينِ

فِيهِ الْإِمَامُ وَخَيْرُ النَّاسِ كُلِّهُمُ ... بَيْنَ الصَّفَائِحِ وَالْأَحْجَارِ وَالطِّينِ

فِيهِ الْإِمَامُ الَّذِي عَمَّتْ مُصِيبَتُهُ ... وَعَيَّلَتْ كُلَّ ذِي مَالٍ وَمِسْكِينِ

فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْ مَرْوَانَ مَظْلَمَةً ... لَكِنْ عَفَا اللَّهُ عَمَّنْ قَالَ آمِينِ.

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَيِّرًا فَاضِلًا كَرِيمًا، قَدِمَ الْمَدِينَةَ مَرَّةً فَفَرَّقَ فِي أَهْلِهَا مَالًا جَلِيلًا، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَبَعَثَ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَبَعَثَ إِلَى جَمَاعَةِ الْعَلَوِيِّينَ بِمَالٍ كَثِيرٍ.

فَأَتَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ صَغِيرٌ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ. فَبَكَى حَتَّى بَلَّ رِدَاءَهُ وَأَمَرَ وَكِيلَهُ بِإِحْضَارِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ، فَأَحْضَرَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ آخَرُ لَسَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ. وَسَيَّرَ مَعَهُ بَعْضَ مَوَالِيهِ إِلَى أُمِّهِ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِالْحَنَفِيَّةِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهَا.

(وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ بَرْبَرِيَّةٌ اسْمُهَا سَلْمَى) .

وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ ذِكْرُ قَتْلِهِ عَلَى هَزِيمَةِ مَرْوَانَ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ لِتَتْبَعَ الْحَادِثَةُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015