فَلَمَّا أَتَى الْكِتَابُ السَّفَّاحَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَمَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِخَمْسِمِائَةِ خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَرَفَعَ أَرْزَاقَهُمْ إِلَى ثَمَانِينَ.
وَكَانَتْ هَزِيمَةُ مَرْوَانَ بِالزَّابِ يَوْمَ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ الْأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ إِلَى الْقِتَالِ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فَتًى عَلَيْهِ أُبَّهَةُ الشَّرَفِ يُقَاتِلُ مُسْتَقْتِلًا فَنَادَاهُ: يَا فَتًى لَكَ الْأَمَانُ وَلَوْ كَنْتَ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ! فَقَالَ: إِنْ لَمْ أَكُنْهُ فَلَسْتُ بِدُونِهِ. قَالَ: فَلَكَ الْأَمَانُ، وَلَوْ كُنْتَ مَنْ كُنْتَ. فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ:
أَذَلُّ الْحَيَاةِ وَكُرْهُ الْمَمَاتِ ... وَكُلًّا أُرَاهُ طَعَامًا وَبِيلًا
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ إِحْدَاهُمَا ... فَسَيْرٌ إِلَى الْمَوْتِ سَيْرًا جَمِيلًا
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَإِذَا هُوَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
ذِكْرُ قَتْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْإِمَامِ
قَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ حَبْسِهِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَوْتِهِ، فَقِيلَ: إِنَّ مَرْوَانَ حَبَسَهُ بِحَرَّانَ، وَحَبَسَ سَعِيدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنَيْهِ عُثْمَانَ وَمَرْوَانَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيَّ، هَلَكَ مِنْهُمْ فِي وَبَاءٍ وَقَعَ بِحَرَّانَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْإِمَامُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ هَزِيمَةِ مَرْوَانَ مِنَ الزَّابِ بِجُمْعَةٍ خَرَجَ سَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ وَابْنُ عَمِّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَحْبُوسِينَ، فَقَتَلُوا صَاحِبَ السِّجْنِ وَخَرَجُوا، فَقَتَلَهُمْ أَهْلُ حَرَّانَ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْغَوْغَاءِ، وَكَانَ فِيمَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ حَرَّانَ شَرَاحِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بِشْرٍ التَّغْلِبِيُّ، وَبِطْرِيقُ إِرْمِينِيَّةَ الرَّابِعَةِ وَاسْمُهُ كُوشَانُ، وَتَخَلَّفَ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ فِي الْحَبْسِ، فَلَمْ يَخْرُجْ فِيمَنْ خَرَجَ، وَمَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَسْتَحِلُّوا الْخُرُوجَ مِنَ الْحَبْسِ، فَقَدِمَ مَرْوَانُ مُنْهَزِمًا مِنَ الزَّابِ، فَجَاءَ فَخَلَّى عَنْهُمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ مَرْوَانَ هَدَمَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَيْتًا فَقَتَلَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ شَرَاحِيلَ بْنَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ مَحْبُوسًا مَعَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَا