فَقَالُوا: قُلْ لِغَطَفَانَ فَلْيَحْمِلُوا. فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: انْزِلْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَجْعَلَ نَفْسِي عَرَضًا. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَسُوءَنَّكَ! فَقَالَ: وَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكَ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ.
وَكَانَ مَرْوَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَا يُدَبِّرُ شَيْئًا إِلَّا كَانَ فِيهِ الْخَلَلُ، فَأَمَرَ بِالْأَمْوَالِ فَأُخْرِجَتْ، وَقَالَ لِلنَّاسِ: اصْبِرُوا وَقَاتِلُوا فَهَذِهِ الْأَمْوَالُ لَكُمْ. فَجَعَلَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يُصِيبُونَ مِنْ ذَلِكَ، (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ مَالُوا عَلَى هَذَا الْمَالِ وَلَا نَأْمَنُهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ. فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنْ سِرْ فِي أَصْحَابِكَ إِلَى مُؤَخَّرِ عَسْكَرِكَ فَاقْتُلْ مَنْ أَخَذَ مِنَ) الْمَالِ وَامْنَعْهُمْ.
فَمَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِرَايَتِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ النَّاسُ: الْهَزِيمَةُ الْهَزِيمَةُ! فَانْهَزَمَ مَرْوَانُ وَانْهَزَمُوا، وَقُطِعَ الْجِسْرُ، وَكَانَ مَنْ غَرِقَ يَوْمَئِذٍ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ.
فَكَانَ مِمَّنْ غَرِقَ يَوْمَئِذٍ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ الْمَخْلُوعِ، فَاسْتَخْرَجُوهُ فِي الْغَرْقَى، فَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 50] . وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بِالشَّامِ.
وَقُتِلَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ سَعِيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِالشَّامِ.
وَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ فِي عَسْكَرِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ يُعَيِّرُ مَرْوَانَ:
لَجَّ الْفِرَارُ بِمَرْوَانَ فَقُلْتُ لَهُ عَادَ الظَّلُومُ ظَلِيمًا هَمُّهُ الْهَرَبُ أَيْنَ الْفِرَارُ وَتَرْكُ الْمُلْكِ إِذْ ذَهَبَتْ عَنْكَ الْهُوَيْنَا فَلَا دِينٌ وَلَا حَسَبُ فَرَاشَةُ الْحِلْمِ، فِرْعَوْنُ الْعِقَابِ وَإِنْ تَطْلُبْ نَدَاهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كَلِبُ.
وَكَتَبَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى السَّفَّاحِ بِالْفَتْحِ، وَحَوَى عَسْكَرَ مَرْوَانَ بِمَا فِيهِ، فَوَجَدَ سِلَاحًا كَثِيرًا وَأَمْوَالًا، وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ امْرَأَةً إِلَّا جَارِيَةً كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ.