مُلْكِهِ خَازِنًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ إِنَّهُ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَمَسَخَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء: 29] إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي إِبْلِيسَ خَاصَّةً لَمَّا قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا، وَقَالَ: {فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلُهُ.
وَأَمَّا الْأَحْدَاثُ الَّتِي كَانَتْ فِي مُلْكِهِ، وَسُلْطَانِهِ فَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا الْتَهَبَتْ. وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ طِينٍ، فَأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ فِي الْأَرْضِ الْجِنُّ، فَاقْتَتَلُوا فِيهَا، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ إِبْلِيسَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ هَذَا الْحَيُّ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَقَاتَلَهُمْ إِبْلِيسُ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ، وَأَطْرَافِ الْجِبَالِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْتُ مَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ. فَاطَّلَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، فَجَعَلَ إِبْلِيسَ عَلَى مُلْكِ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ قَبِيلٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لِأَنَّهُمْ مِنْ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ. وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكِهِ خَازِنًا فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ، وَقَالَ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِمَزِيَّةٍ لِي عَلَى الْمَلَائِكَةِ. فَاطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.