قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلَائِكَةِ اجْتِهَادًا وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا، فَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الْكِبْرِ. وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي سَبَبِ كِبْرِهِ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ خَلْقًا، فَقَالَ: اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ. فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَرَ، فَقَالَ: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَاسْجُدُوا لِآدَمَ. فَأَبَوْا، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ، فَقَالَ: اسْجُدُوا لِآدَمَ. قَالُوا: نَعَمْ. وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: إِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ سَكَنُوا الْأَرْضَ، وَطَرَدَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَأَسَرَهُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ فُسُوقُهُ مِنْ إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهِ، وَاجْتِهَادِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِنَ الْجِنِّ.
(وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إِلَى هَمْدَانَ: قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْيَمَنِ)