الْأَشَجُّ، هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ قَيْسٍ، هُوَ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ الرِّيَاحِيُّ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ لِأُمِّهِ. وَقَوْلُهُ: كَمَا شَأَمَ اللَّهُ النُّجَيْرَ وَأَهْلَهُ بِجَدٍّ لَهُ، يَعْنِي لَمَّا ارْتَدَّ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ جَدُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبِعَهُ كِنْدَةُ، فَلَمَّا حَارَبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَحَصَرُوهُمْ بِالنُّجَيْرِ أَخَذُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ.
قِيلَ: وَأُتِيَ الْحَجَّاجُ بِأَسِيرَيْنِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ لِي عِنْدَكَ يَدًا. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَوْمًا أُمَّكَ بِسُوءٍ فَنَهَيْتُهُ. قَالَ: وَمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: هَذَا الْأَسِيرُ الْآخَرُ، فَسَأَلَهُ الْحَجَّاجُ فَصَدَّقَهُ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: فَلِمَ لَمْ تَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: وَيَنْفَعُنِي الصِّدْقُ عِنْدَكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: مَنَعَنِي الْبُغْضُ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. قَالَ: خَلُّوا عَنْ هَذَا لِفِعْلِهِ، وَعَنْ هَذَا لِصِدْقِهِ.
قِيلَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قُتِلَ جَدِّي يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ جَدِّي فُلَانٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَجَعَلَ يَذْكُرُ مَنَاقِبَ سَلَفِهِ، فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: هَذِهِ الْمَنَاقِبُ وَاللَّهِ، لَا يَوْمَ مَسْكِنٍ وَيَوْمَ الْجَمَاجِمِ وَيَوْمَ رَاهِطٍ! وَأَنْشَدَ: تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
ذِكْرُ مَا جَرَى لِلشَّعْبِيِّ مَعَ الْحَجَّاجِ
لَمَّا انْهَزَمَ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالْجَمَاجِمِ نَادَى مُنَادِي الْحَجَّاجِ: مَنْ لَحِقَ بِقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ فَهُوَ آمِنٌ، وَكَانَ قَدْ وَلَّاهُ الرَّيَّ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَلَحِقَ بِهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ، فَذَكَرَهُ الْحَجَّاجُ يَوْمًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: إِنَّهُ لَحِقَ بِقُتَيْبَةَ بِالرَّيِّ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى قُتَيْبَةَ يَأْمُرُهُ بِإِرْسَالِ الشَّعْبِيِّ، فَأَرْسَلَهُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ لَقِيتُ ابْنَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ صَدِيقًا لِي، فَاسْتَشَرْتُهُ [فَقَالَ] : اعْتَذِرْ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ. وَأَشَارَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِخْوَانِي وَنُصَحَائِي، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ رَأَيْتُ غَيْرَ مَا ذَكَرُوا لِي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ وَقُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَمَرُونِي أَنْ أَعْتَذِرَ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ