الْحَجَّاجُ فَعَبَرَ السِّيبَ، وَرَجَعَ ابْنُ الْأَشْعَثِ إِلَى عَسْكَرِهِ آمِنًا، وَنَهَبَ عَسْكَرَ الْحَجَّاجِ فَأَمِنُوا وَأَلْقَوُا السِّلَاحَ، فَلَمْ يَشْعُرُوا نِصْفَ اللَّيْلِ إِلَّا وَالسَّيْفُ يَأْخُذُهُمْ مِنْ تِلْكَ السَّرِيَّةِ، فَغَرِقَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَكْثَرُ مِمَّنْ قُتِلَ، وَرَجَعَ الْحَجَّاجُ فِي عَسْكَرِهِ عَلَى الصَّوْتِ، فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا، فَكَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَبِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ، وَعَمْرُو بْنُ ضُبَيْعَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ، وَغَيْرُهُمْ.
ذِكْرُ مَسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى رُتْبِيلَ وَمَا جَرَى لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ
وَلَمَّا انْهَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ مَسْكِنٍ سَارَ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَأَتْبَعَهُ الْحَجَّاجُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا، وَعُمَارَةَ بْنَ تَمِيمٍ اللَّخْمِيَّ، وَعُمَارَةُ عَلَى الْجَيْشِ، فَأَدْرَكَهُ عُمَارَةُ بِالسُّوسِ فَقَاتَلَهُ سَاعَةً، فَانْهَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَنْ مَعَهُ، وَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا سَابُورَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْأَكْرَادُ، فَقَاتَلَهُمْ عُمَارَةُ قِتَالًا شَدِيدًا عَلَى الْعَقَبَةِ، فَجُرِحَ عُمَارَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَانْهَزَمَ عُمَارَةُ وَتَرَكَ لَهُمُ الْعَقَبَةَ.
وَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى أَتَى كَرْمَانَ وَعُمَارَةُ يَتْبَعُ أَثَرَهُمْ، فَدَخَلَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ قَصْرًا فِي مَفَازَةِ كَرْمَانَ، فَإِذَا فِيهِ كِتَابٌ قَدْ كَتَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ شِعْرِ ابْنِ جِلْدَةَ الْيَشْكُرِيِّ، وَهِيَ طَوِيلَةٌ:
أَيَا لَهَفًا وَيَا حَزَنًا جَمِيعًا ... وَيَا حَرَّ الْفُؤَادِ لِمَا لَقِينَا
تَرَكْنَا الدِّينَ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا ... وَأَسْلَمْنَا الْحَلَائِلَ وَالْبَنِينَا
فَمَا كُنَّا أُنَاسًا أَهْلَ دِينٍ ... فَنَصْبِرَ فِي الْبَلَاءِ إِذَا ابْتُلِينَا
فَمَا كُنَّا أُنَاسًا أَهْلَ دُنْيَا ... فَنَمْنَعُهَا وَلَوْ لَمْ نَرْجُ دِينَا
تَرَكْنَا دُورَنَا لِطَغَامِ عَكٍّ ... وَأَنْبَاطِ الْقُرَى وَالْأَشْعَرِينَا