وَأَقَامَ بِالْكُوفَةِ شَهْرًا، وَأَنْزَلَ أَهْلَ الشَّامِ بُيُوتَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَنْزَلَهُمُ الْحَجَّاجُ فِيهَا مَعَ أَهْلِهَا، (وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَنْزَلَ الْجُنْدَ فِي بُيُوتِ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ إِلَى الْآنَ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .

ذِكْرُ الْوَقْعَةِ بِمَسْكِنٍ

وَلَمَّا انْهَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتَى الْبَصْرَةَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ فِيهِمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْقُرَشِيُّ، وَكَانَ بِالْمَدَائِنِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَسَارَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ، فَلَحِقَ ابْنُ سَعْدٍ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَحْوَ الْحَجَّاجِ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ فِيهِمْ بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ، وَقَدْ بَايَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ عَلَى الْمَوْتِ، فَاجْتَمَعُوا بِمَسْكِنٍ، وَخَنْدَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ الْقِتَالَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ.

وَقَدِمَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ خُرَاسَانَ فِي نَاسٍ مِنْ بَعْثِ الْكُوفَةِ، فَاقْتَتَلُوا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَقُتِلَ زِيَادُ بْنُ غَيْثَمٍ الْقَيْنِيُّ، وَكَانَ عَلَى مَسَالِحِ الْحَجَّاجِ، فَهَدَّهُ ذَلِكَ وَهَدَّ أَصْحَابَهُ. وَبَاتَ الْحَجَّاجُ يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ، وَلَمَّا أَصْبَحُوا بَاكَرُوا الْقِتَالَ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ كَانَ بَيْنَهُمْ، فَانْكَشَفَتْ خَيْلُ سُفْيَانَ بْنِ الْأَبْرَدِ، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْمُهَلَّبِ فَحَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَلَ أَصْحَابُ الْحَجَّاجِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَانْهَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْحَابُهُ، وَقُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهُ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، وَمَشَى بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ شُجْعَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، فَكَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، وَحَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ، فَحَمَلُوا عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَكَشَفُوهُمْ مِرَارًا، فَدَعَا الْحَجَّاجُ الرُّمَاةَ فَرَمَوْهُمْ، وَأَحَاطَ بِهِمُ النَّاسُ، فَقُتِلُوا إِلَّا قَلِيلًا، وَمَضَى ابْنُ الْأَشْعَثِ نَحْوَ سِجِسْتَانَ.

وَقَدْ قِيلَ فِي هَزِيمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِمَسْكِنٍ غَيْرُ هَذَا، وَالَّذِي قِيلَ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْحَجَّاجُ بِمَسْكِنٍ، وَكَانَ عَسْكَرُ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَالْحَجَّاجِ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالسِّيبِ وَالْكَرْخِ، فَاقْتَتَلُوا شَهْرًا وَدُونَهُ، فَأَتَى شَيْخٌ فَدَلَّ الْحَجَّاجَ عَلَى طَرِيقٍ مِنْ وَرَاءِ الْكَرْخِ فِي أَجَمَةٍ وَضَحْضَاحٍ مِنَ الْمَاءِ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَقَالَ لِقَائِدِهِمْ: إِنْ صَدَقَ فَأَعْطِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ كَذَبَ فَاقْتُلْهُ. فَسَارَ بِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ الْحَجَّاجَ قَاتَلَ أَصْحَابَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَانْهَزَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015