وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَأَنْتَ، فَأَخَذَ ابْنَيْ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ هَذَا مَا سَأَلَهُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْجَزِيرَةَ وَأَرْمِينِيَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَخَاهُ مُحَمَّدًا عَلَى الْجَزِيرَةِ وَأَرْمِينِيَّةَ، فَغَزَا مِنْهَا وَأَثْخَنَ [فِي] الْعَدُوِّ، وَكَانَتْ بُحَيْرَةُ الطِّرِّيخِ الَّتِي بِأَرْمِينِيَّةَ مُبَاحَةً لَمْ يَعْرِضْ لَهَا أَحَدٌ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا مَنْ شَاءَ، فَمَنَعَ مِنْ صَيْدِهَا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَهُ لِابْنِهِ مَرْوَانَ، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُ لَمَّا انْتَقَلَتِ الدَّوْلَةُ عَنْهُمْ، وَهِيَ إِلَى الْآنَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنَ الْحَجَرِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.
وَهَذَا الطِّرِّيخُ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّ سَمَكَهُ صَغِيرٌ، لَهُ كُلُّ سَنَةٍ مَوْسِمٌ، يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ فِي نَهْرٍ يَصُبُّ إِلَيْهَا كَثِيرًا، يُؤْخَذُ بِالْأَيْدِي وَالْآلَاتِ الْمَصْنُوعَةِ لَهُ، فَإِذَا انْقَضَى مَوْسِمُهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ.
ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي فُدَيْكٍ الْخَارِجِيِّ
قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ قَتْلَ نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ الْخَارِجِيِّ وَطَاعَةَ أَصْحَابِهِ أَبَا فُدَيْكٍ، وَثَبَتَ قَدَمُ أَبِي فُدَيْكٍ إِلَى الْآنَ، فَأَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَيَسِيرُ إِلَى قِتَالِهِ، فَنَدَبَهُمْ وَانْتَدَبَ مَعَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ، وَجَعَلَ أَهْلَ الْكُوفَةِ عَلَى الْمَيْمَنَةِ، وَعَلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَهْلَ الْبَصْرَةِ عَلَى الْمَيْسَرَةِ وَعَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عُمَرَ، وَجَعَلَ خَيْلَهُ فِي الْقَلْبِ، وَسَارُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَالْتَقَوْا وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، فَحَمَلَ أَبُو فُدَيْكٍ وَأَصْحَابُهُ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَكَشَفُوا مَيْسَرَةَ عُمَرَ حَتَّى أَبْعَدُوا، إِلَّا الْمُغِيرَةَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَمُجَّاعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفُرْسَانَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ مَالُوا إِلَى صَفِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالْمَيْمَنَةِ، وَجُرِحَ عُمَرُ بْنُ مُوسَى.
فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْمَيْسَرَةِ أَهْلَ الْمَيْمَنَةِ لَمْ يَنْهَزِمُوا رَجَعُوا وَقَاتَلُوا وَمَا عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ، لِأَنَّ