لِمَحَبَّتِهِ عُثْمَانَ، وَشَهِدَ مَعَهُ صِفِّينَ هُوَ وَمَالِكُ بْنُ مِسْمَعٍ، وَأَقَامَ عُبَيْدُ اللَّهِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ. وَكَانَ لَهُ زَوْجَةٌ بِالْكُوفَةِ، فَلَمَّا طَالَتْ غَيْبَتُهُ زَوَّجَهَا أَخُوهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ الْخَبِيصِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ، فَخَاصَمَ عِكْرِمَةَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: ظَاهَرْتَ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا فَغُلْتَ. فَقَالَ لَهُ: أَيَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ عَدْلِكَ؟ قَالَ: لَا، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَتْ حُبْلَى، فَوَضَعَهَا عِنْدَ مَنْ يَثِقُ إِلَيْهِ حَتَّى وَضَعَتْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِعِكْرِمَةَ، وَدَفَعَ الْمَرْأَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَادَ إِلَى الشَّامِ فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا قُتِلَ أَقْبَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَتَى إِخْوَانَهُ فَقَالَ: مَا أَرَى أَحَدًا يَنْفَعُهُ اعْتِزَالُهُ، كُنَّا بِالشَّامِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِ مُعَاوِيَةَ كَيْتُ وَكَيْتُ، فَقَالُوا: وَكَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ كَيْتُ وَكَيْتُ، وَكَانُوا يَلْتَقُونَ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عُبَيْدُ اللَّهِ فِيمَنْ حَضَرَ قَتْلَهُ، يَغِيبُ عَنْ ذَلِكَ تَعَمُّدًا، فَلَمَّا قُتِلَ جَعَلَ ابْنُ زِيَادٍ يَتَفَقَّدُ الْأَشْرَافَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَرَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحُرِّ، ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ يَا ابْنَ الْحُرِّ؟ قَالَ: كُنْتُ مَرِيضًا. قَالَ: مَرِيضَ الْقَلْبِ أَمْ مَرِيضَ الْبَدَنِ؟ فَقَالَ: أَمَّا قَلْبِي فَلَمْ يَمْرَضْ، وَأَمَّا بَدَنِي فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِالْعَافِيَةِ. قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ كُنْتَ مَعَ عَدُوِّنَا. فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ مَعَهُ لَرَأَى مَكَانِي.
وَغَفَلَ عَنْهُ ابْنُ زِيَادٍ، فَخَرَجَ فَرَكِبَ فَرَسَهُ، ثُمَّ طَلَبَهُ ابْنُ زِيَادٍ فَقَالُوا: رَكِبَ السَّاعَةَ. فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِ. فَأَحْضَرَ الشُّرَطُ خَلْفَهُ، فَقَالُوا: أَجِبِ الْأَمِيرَ. فَقَالَ: أَبْلِغُوهُ عَنِّي أَنِّي لَا آتِيهِ طَائِعًا أَبَدًا. ثُمَّ أَجْرَى فَرَسَهُ، وَأَتَى مَنْزِلَ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ الطَّائِيِّ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى كَرْبِلَاءَ، فَنَظَرَ إِلَى مُصَارِعِ الْحُسَيْنِ وَمَنْ قُتِلَ مَعَهُ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ مَضَى إِلَى الْمَدَائِنِ وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
يَقُولُ أَمِيرٌ غَادِرٌ وَابْنُ غَادِرٍ
:
أَلَا كُنْتَ قَاتَلْتَ الْحُسَيْنَ بْنَ فَاطِمَهْ ... وَنَفْسِي عَلَى خِذْلَانِهِ وَاعْتِزَالِهِ
وَبَيْعَةِ هَذَا النَّاكِثِ الْعَهْدَ لَائِمَهْ ... فَيَا نَدَمِي أَنْ لَا أَكُونَ نَصَرْتُهُ
أَلَا كُلُّ نَفْسٍ لَا تُشَدِّدُ نَادِمَهْ ... وَإِنِّي لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهِ
لَذُو حَسْرَةٍ أَنْ لَا تُفَارِقَ لَازِمَهْ