إِلَيْنَا فَهَلْ لَكِ أَنْ نَصِلَهُ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مَعَنَا مَا نَصِلُهُ بِهِ إِلَّا حُلِيُّنَا، فَأَخْرَجَتَا سِوَارَيْنِ وَدُمْلُجَيْنِ لَهُمَا فَبَعَثَتَا بِهَا إِلَيْهِ وَاعْتَذَرَتَا، فَرَدَّ الْجَمِيعَ وَقَالَ: لَوْ كَانَ الَّذِي صَنَعْتُ لِلدُّنْيَا لَكَانَ فِي هَذَا مَا يُرْضِينِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَانَ مَعَ الْحُسَيْنِ امْرَأَتُهُ الرَّبَابُ بِنْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَهِيَ أُمُّ ابْنَتِهِ سُكَيْنَةَ، وَحُمِلَتْ إِلَى الشَّامِ فِيمَنْ حُمِلَ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَطَبَهَا الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأَتَّخِذَ حَمْوًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَتْ بَعْدَهُ سَنَةً لَمْ يُظِلَّهَا سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى بَلِيَتْ وَمَاتَتْ كَمَدًا، وَقِيلَ: إِنَّهَا أَقَامَتْ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً وَعَادَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَتْ أَسَفًا عَلَيْهِ.
فَأَرْسَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ مُبَشِّرًا إِلَى الْمَدِينَةِ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: مَا الْخَبَرُ؟ فَقَالَ: الْخَبَرُ عِنْدَ الْأَمِيرِ.
فَقَالَ الْقُرَشِيُّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قُتِلَ الْحُسَيْنُ.
وَدَخَلَ الْبَشِيرُ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا سَرَّ الْأَمِيرَ، قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ: نَادِ بِقَتْلِهِ، فَنَادَى، فَصَاحَ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ وَخَرَجَتِ ابْنَةُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَعَهَا نِسَاؤُهَا حَاسِرَةً تَلْوِي ثَوْبَهَا وَهِيَ تَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ... مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي ... مِنْهُمْ أُسَارَى وَقَتْلَى ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ ... أَنْ تُخْلِفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي
فَلَمَّا سَمِعَ عَمْرٌو أَصْوَاتَهُنَّ ضَحِكَ وَقَالَ:
عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِي زِيَادٍ عَجَّةً ... كَعَجِيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الْأَرْنَبِ