{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ - لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22 - 23] . فَقَالَ يَزِيدُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] . ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ وَأَمَرَ بِإِنْزَالِهِ وَإِنْزَالِ نِسَائِهِ فِي دَارِ عَلِيٍّ جَدِّهِ، وَكَانَ يَزِيدُ لَا يَتَغَدَّى وَلَا يَتَعَشَّى إِلَّا دَعَا عَلِيًّا إِلَيْهِ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ، فَقَالَ لِعَمْرٍو: أَتُقَاتِلُ هَذَا؟ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ.
فَقَالَ عَمْرٌو: أَعْطِنِي سِكِّينًا وَأَعْطِهِ سِكِّينًا حَتَّى أُقَاتِلَهُ.
فَضَمَّهُ يَزِيدُ إِلَيْهِ وَقَالَ: شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، هَلْ تَلِدُ الْحَيَّةَ إِلَّا حَيَّةً!
وَقِيلَ: وَلَمَّا وَصَلَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ إِلَى يَزِيدَ حَسُنَتْ حَالُ ابْنِ زِيَادٍ عِنْدَهُ وَزَادَهُ وَوَصَلَهُ وَسَرَّهُ مَا فَعَلَ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا (حَتَّى بَلَغَهُ بُغْضُ النَّاسِ لَهُ وَلَعْنُهُمْ وَسَبُّهُمْ) ، فَنَدِمَ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ، فَكَانَ يَقُولُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ احْتَمَلْتُ الْأَذَى وَأَنْزَلْتُ الْحُسَيْنَ مَعِي فِي دَارِي وَحَكَّمْتُهُ فِيمَا يُرِيدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهَنٌ فِي سُلْطَانِي حِفْظًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ وَقَرَابَتِهِ، لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ فَإِنَّهُ اضْطَرَّهُ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي أَوْ يَلْحَقَ بِثَغْرٍ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ فَقَتَلَهُ، فَبَغَّضَنِي بِقَتْلِهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَزَرَعَ فِي قُلُوبِهِمُ الْعَدَاوَةَ، فَأَبْغَضَنِي الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ بِمَا اسْتَعْظَمُوهُ مِنْ قَتْلِي الْحُسَيْنَ، مَا لِي وَلِابْنِ مَرْجَانَةَ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ!
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ يَزِيدُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ أَنْ يُجَهِّزَهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَيُسَيِّرَ مَعَهُمْ رَجُلًا أَمِينًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمَعَهُ خَيْلٌ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَدَعَا عَلِيًّا لِيُوَدِّعَهُ وَقَالَ لَهُ: لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي صَاحِبُهُ مَا سَأَلَنِي خَصْلَةً أَبَدًا إِلَّا أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا وَلَدَفَعْتُ الْحَتْفَ عَنْهُ بِكُلِّ مَا اسْتَطَعْتُ وَلَوْ بِهَلَاكِ بَعْضِ وَلَدِي، وَلَكِنْ قَضَى اللَّهُ مَا رَأَيْتَ.
يَا بُنَيَّ كَاتِبْنِي حَاجَةً تَكُونُ لَكَ.
وَأَوْصَى بِهِمْ هَذَا الرَّسُولَ، فَخَرَجَ بِهِمْ فَكَانَ يُسَايِرُهُمْ لَيْلًا فَيَكُونُونَ أَمَامَهُ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُونَ طَرْفَهُ، فَإِذَا نَزَلُوا تَنَحَّى عَنْهُمْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَكَانُوا حَوْلَهُمْ كَهَيْئَةِ الْحَرَسِ، وَكَانَ يَسْأَلُهُمْ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَيَلْطُفُ بِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ لِأُخْتِهَا زَيْنَبَ: لَقَدْ أَحْسَنَ هَذَا الرَّجُلُ