فَقَالَ يَزِيدُ: وَاللَّهِ يَا حُسَيْنُ لَوْ كُنْتُ أَنَا صَاحِبُكَ مَا قَتَلْتُكَ. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا؟ قَالَ: أَبِي عَلِيٌّ خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، وَفَاطِمَةُ أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ، وَجَدِّي رَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَأَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُ أَبُوهُ خَيْرٌ مِنْ أَبِي فَقَدْ حَاجَّ أَبِي أَبَاهُ إِلَى اللَّهِ وَعَلِمَ النَّاسُ أَيَّهُمَا حُكِمَ لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ فَلَعَمْرِي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّي، وَأَمَّا قَوْلُهُ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ فَلَعَمْرِي مَا أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَرَى لِرَسُولِ اللَّهِ فِينَا عِدْلًا وَلَا نِدًّا، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ فِقْهِهِ، وَلَمْ يَقْرَأْ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] .

ثُمَّ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ وَالرَّأْسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ وَسُكَيْنَةُ ابْنَتَا الْحُسَيْنِ تَتَطَاوَلَانِ لِتَنْظُرَا إِلَى الرَّأْسِ، وَجَعَلَ يَزِيدُ يَتَطَاوَلُ لِيَسْتُرَ عَنْهُمَا الرَّأْسَ.

فَلَمَّا رَأَيْنَ الرَّأْسَ صِحْنَ، فَصَاحَ نِسَاءُ يَزِيدَ وَوَلْوَلَ بَنَاتُ مُعَاوِيَةَ.

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ، وَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ سُكَيْنَةَ: أَبَنَاتُ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا يَا يَزِيدُ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أَخِي أَنَا لِهَذَا كُنْتُ أَكْرَهُ.

قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا تُرِكَ لَنَا خُرْصٌ.

فَقَالَ: مَا أَتَى إِلَيْكُنَّ أَعْظَمُ مِمَّا أُخِذَ مِنْكُنَّ.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ: هَبْ لِي هَذِهِ، يَعْنِي فَاطِمَةَ، فَأَخَذَتْ بِثِيَابِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ، وَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَذَبْتَ وَلَؤُمْتَ، مَا ذَلِكَ لَكَ وَلَا لَهُ.

فَغَضِبَ يَزِيدُ وَقَالَ: كَذَبْتِ وَاللَّهِ، إِنَّ ذَلِكَ لِي وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ لَفَعَلْتُهُ.

قَالَتْ كَلَّا وَاللَّهِ، مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا وَتَدِينَ بِغَيْرِ دِينِنَا.

فَغَضَبَ يَزِيدُ وَاسْتَطَارَ، ثُمَّ قَالَ: إِيَّايَ تَسْتَقْبِلِينَ بِهَذَا؟ إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ الدِّينِ أَبُوكِ وَأَخُوكِ!

قَالَتْ زَيْنَبُ: بِدِينِ اللَّهِ وَدِينِ أَبِي وَأَخِي وَجَدِّي اهْتَدَيْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ وَجَدُّكَ.

قَالَ: كَذَبْتِ يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ! قَالَتْ: أَنْتَ أَمِيرٌ تَشْتُمُ ظَالِمًا وَتَقْهَرُ بِسُلْطَانِكَ؟ فَاسْتَحَى وَسَكَتَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُنَّ وَأَدْخَلَهُنَّ دُورَ يَزِيدَ، فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ يَزِيدَ إِلَّا أَتَتْهُنَّ وَأَقَمْنَ الْمَأْتَمَ، وَسَأَلَهُنَّ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُنَّ فَأَضْعَفَهُ لَهُنَّ، فَكَانَتْ سُكَيْنَةُ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَافِرًا بِاللَّهِ خَيْرًا مِنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

ثُمَّ أَمَرَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَأُدْخِلَ مَغْلُولًا فَقَالَ: لَوْ رَآنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَغْلُولِينِ لَفَكَّ عَنَّا.

قَالَ: صَدَقْتَ.

وَأَمَرَ بِفَكِّ غُلِّهِ عَنْهُ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ رَآنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعَدَاءَ لَأَحَبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا.

فَأَمَرَ بِهِ فَقُرِّبَ مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: إِيهِ يَا عَلِيُّ بْنَ الْحُسَيْنِ، أَبُوكَ الَّذِي قَطَعَ رَحِمِي، وَجَهِلَ حَقِّي، وَنَازَعَنِي سُلْطَانِي، فَصَنَعَ اللَّهُ بِهِ مَا رَأَيْتَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015