وَقِيلَ: إِنَّ آلَ الْحُسَيْنِ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْكُوفَةِ حَبَسَهُمُ ابْنُ زِيَادٍ وَأَرْسَلَ إِلَى يَزِيدَ بِالْخَبَرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْحَبْسِ إِذْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ حَجَرٌ فِيهِ كِتَابٌ مَرْبُوطٌ وَفِيهِ: إِنَّ الْبَرِيدَ سَارَ بِأَمْرِكُمْ إِلَى يَزِيدَ فَيَصِلُ يَوْمَ كَذَا وَيَعُودُ يَوْمَ كَذَا، فَإِنْ سَمِعْتُمُ التَّكْبِيرَ فَأَيْقِنُوا بِالْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا تَكْبِيرًا فَهُوَ الْأَمَانُ.

فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ قُدُومِ الْبَرِيدِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِذَا حَجَرٌ قَدْ أُلْقِيَ وَفِيهِ كِتَابٌ يَقُولُ فِيهِ: أَوْصُوا وَاعْهَدُوا فَقَدْ قَارَبَ وُصُولُ الْبَرِيدِ.

ثُمَّ جَاءَ الْبَرِيدُ بِأَمْرِ يَزِيدَ بِإِرْسَالِهِمْ إِلَيْهِ، فَدَعَا ابْنُ زِيَادٍ مُحَفِّرَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَشَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ وَسَيَّرَهُمَا بِالثَّقَلِ وَالرَّأْسِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى دِمَشْقَ نَادَى مُحَفِّرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى بَابِ يَزِيدَ: جِئْنَا بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَلْأَمِهِمْ! فَقَالَ يَزِيدُ: مَا وَلَدَتْ أُمُّ مُحَفِّرٍ أَلْأَمَ وَأَحْمَقَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ قَاطِعٌ ظَالِمٌ.

ثُمَّ دَخَلُوا عَلَى يَزِيدَ فَوَضَعُوا الرَّأْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَحَدَّثُوهُ، فَسَمِعَتِ الْحَدِيثَ هِنْدَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ يَزِيدَ، فَتَقَنَّعَتْ بِثَوْبِهَا وَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْأَسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْوِلِي عَلَيْهِ، وَحُدِّي عَلَى ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرِيحَةِ قُرَيْشٍ، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ، قَتَلَهُ اللَّهُ! ثُمَّ أَذِنَ لِلنَّاسِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَالرَّأْسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَعَهُ قَضِيبٌ وَهُوَ يَنْكُتُ بِهِ ثَغْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا وَإِيَّانَا كَمَا قَالَ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ:

أَبَى قَوْمُنَا أَنْ يُنْصِفُونَا فَأَنْصَفَتْ ... قَوَاضِبُ فِي أَيْمَانِنَا تَقْطُرُ الدَّمَا

يُفَلِّقْنَ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ: أَتَنْكُتُ بِقَضِيبِكَ فِي ثَغْرِ الْحُسَيْنِ؟ أَمَا لَقَدْ أَخَذَ قَضِيبُكَ فِي ثَغْرِهِ مَأْخَذًا، لَرُبَّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْشُفُهُ، أَمَا إِنَّكَ يَا يَزِيدُ تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَابْنُ زِيَادٍ شَفِيعُكَ، وَيَجِيءُ هَذَا وَمُحَمَّدٌ شَفِيعُهُ: ثُمَّ قَامَ فَوَلَّى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015