فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَفِيفٍ الْأَزْدِيُّ ثُمَّ الْوَالِبِيُّ، وَكَانَ ضَرِيرًا قَدْ ذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيٍّ وَالْأُخْرَى بِصِفِّينَ مَعَهُ أَيْضًا، وَكَانَ لَا يُفَارِقُ الْمَسْجِدَ يُصَلِّي فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَلَمَّا سَمِعَ مَقَالَةَ ابْنِ زِيَادٍ قَالَ: يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ! إِنَّ الْكَذَّابَ ابْنَ الْكَذَّابِ أَنْتَ وَأَبُوكَ وَالَّذِي وَلَّاكَ وَأَبُوهُ! يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ أَتَقْتُلُونَ أَبْنَاءَ النَّبِيِّينَ وَتَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الصِّدِّيقِينَ؟ فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِ.

فَأَخَذُوهُ، فَنَادَى بِشِعَارِ الْأَزْدِ: يَا مَبْرُورُ! فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَتْيَةٌ مِنَ الْأَزْدِ فَانْتَزَعُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ أَتَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ وَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَصُلِبَ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَأَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَطَيْفَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَكَانَ رَأْسُهُ أَوَّلَ رَأْسِ حُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى خَشَبَةٍ فِي قَوْلٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَوَّلَ رَأْسٍ حُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ رَأْسُ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ.

ثُمَّ أَرْسَلَ ابْنُ زِيَادٍ رَأْسَ الْحُسَيْنِ وَرُءُوسَ أَصْحَابِهِ مَعَ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى الشَّامِ إِلَى يَزِيدَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: مَعَ شَمِرٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَدْ جَعَلَ ابْنُ زِيَادٍ الْغُلَّ فِي يَدَيْهِ وَرَقَبَتِهِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى الْأَقْتَابِ، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى بَلَغُوا الشَّامَ، فَدَخَلَ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ وَبِنَصْرِهِ، وَرَدَ عَلَيْنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَسِتِّينَ مِنْ شِيعَتِهِ، فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الْأَمِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوِ الْقِتَالِ فَاخْتَارُوا الْقِتَالَ فَعَدَوْنَا عَلَيْهِمْ مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ فَأَحَطْنَا بِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا مِنْ هَامِّ الْقَوْمِ جَعَلُوا يَهْرَبُونَ إِلَى غَيْرِ وَزَرٍ، وَيَلُوذُونَ بِالْإِكَامِ وَالْحُفَرِ، كَمَا لَاذَ الْحَمَائِمُ مِنْ صَقَرٍ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا جَزْرَ جَزُورٍ، أَوْ نَوْمَةَ قَائِلٍ، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى آخِرِهِمْ! فَهَاتِيكَ أَجْسَادُهُمْ مُجَرَّدَةٌ، وَثِيَابُهُمْ مُرَمَّلَةٌ، وَخُدُودُهُمْ مُعَفَّرَةٌ، تَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، وَتَسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيحُ، زُوَّارُهُمُ الْعُقْبَانُ وَالرَّخَمُ بِقِيِّ سَبْسَبٍ.

قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا يَزِيدَ وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاغِيَتِكُمْ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ سُمَيَّةَ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي صَاحِبُهُ لَعَفَوْتُ عَنْهُ، فَرَحِمَ اللَّهُ الْحُسَيْنَ! وَلَمْ يَصِلْهُ بِشَيْءٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015