النَّاسُ إِلَيْكَ.
فَجَعَلَا يُقَاتِلَانِ بَيْنَ يَدِهِ، وَأَتَاهُ الْفَتَيَانِ الْجَابِرِيَّانِ وَهُمَا سَيْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْعٍ وَمَالِكُ بْنُ عَبْدِ بْنِ سُرَيْعٍ، وَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: مَا يُبْكِيكُمَا؟ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَا عَنْ سَاعَةٍ قَرِيرَيْ عَيْنٍ.
فَقَالَا: وَاللَّهِ مَا عَلَى أَنْفُسِنَا نَبْكِي وَلَكِنْ نَبْكِي عَلَيْكَ، نَرَاكَ قَدْ أُحِيطُ بِكَ وَلَا نَقْدِرُ أَنْ نَمْنَعَكَ! فَقَالَ: جَزَاكُمَا اللَّهُ جَزَاءَ الْمُتَّقِينَ!
وَجَاءَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَسْعَدَ الشِّبَامِيُّ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ وَجَعَلَ يُنَادِي: {يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ - مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ - وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ - يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 30 - 33] . يَا قَوْمِ لَا تَقْتُلُوا الْحُسَيْنَ فَيُسْحِتَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: رَحِمَكَ اللَّهُ! إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ حِينَ رَدُّوا مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَنَهَضُوا لِيَسْتَبِيحُوكَ وَأَصْحَابَكَ فَكَيْفَ بِهِمُ الْآنَ قَدْ قَتَلُوا إِخْوَانَكَ الصَّالِحِينَ! فَسَلَّمَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَتَقَدَّمَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وَتَقَدَمَ الْفَتَيَانِ الْجَابِرِيَّانِ فَوَدَّعَا الْحُسَيْنَ وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا.
وَجَاءَ عَابِسُ بْنُ أَبِي شَيْبٍ الشَّاكِرِيُّ وَشَوْذَبٌ مَوْلَى شَاكِرٍ إِلَى الْحُسَيْنِ فَسَلَّمَا عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَا فَقَاتَلَا فَقُتِلَ شَوْذَبٌ، وَأَمَّا عَابِسٌ فَطَلَبَ الْبِرَازَ فَتَحَامَاهُ النَّاسُ لِشَجَاعَتِهِ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: ارْمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، فَرَمَوْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى دِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ وَحَمَلَ عَلَى النَّاسِ فَهَزَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَجَعُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَادَّعَى قَتْلَهُ جَمَاعَةٌ.
وَجَاءَ الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُشْرِفِيُّ إِلَى الْحُسَيْنِ فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي أُقَاتِلُ عَنْكَ مَا رَأَيْتُ مُقَاتِلًا، فَإِذَا لَمْ أَرَ مُقَاتِلًا فَأَنَا فِي حِلٍّ مِنْ الِانْصِرَافِ.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: صَدَقْتَ، وَكَيْفَ لَكَ بِالنَّجَاءِ؟ إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَأَنْتَ فِي