الرَّأْسَ لِيَدْفِنَهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْأَمِيرَ لَا يَرْضَى أَنْ يُدْفَنَ وَأَرْجُو أَنْ يُثِيبَنِي الْأَمِيرُ.

فَقَالَ لَهُ: لَكِنَّ اللَّهَ لَا يُثِيبُكَ إِلَّا أَسْوَأَ الثَّوَابِ.

وَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ غِرَّةَ قَاتِلِ أَبِيهِ حَتَّى كَانَ زَمَانُ مُصْعَبٍ، وَغَزَا مُصْعَبٌ بَاجُمَيْرَى، وَدَخَلَ الْقَاسِمُ عَسْكَرَهُ فَإِذَا قَاتِلُ أَبِيهِ فِي فُسْطَاطِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نِصْفَ النَّهَارِ فَقَتَلَهُ.

فَلَمَّا قُتِلَ حَبِيبٌ هَدَّ ذَلِكَ الْحُسَيْنَ، وَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَحْتَسِبُ نَفْسِي وَحُمَاةَ أَصْحَابِي.

وَحَمَلَ الْحُرُّ وَزُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ فَقَاتَلَا قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ إِذَا حَمَلَ أَحَدُهُمَا وَغَاضَ فِيهِمْ حَمَلَ الْآخَرُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ، فَعَلَا ذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ رَجَّالَةً حَمَلَتْ عَلَى الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ فَقَتَلَتْهُ، وَقَتَلَ أَبُو ثُمَامَةَ الصَّائِدِيُّ ابْنَ عَمٍّ لَهُ كَانَ عَدُوَّهُ، ثُمَّ صَلَّوُا الظُّهْرَ، صَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ اقْتَتَلُوا بَعْدَ الظُّهْرِ، فَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ، وَوُصِلَ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَاسْتَقْدَمَ الْحَنَفِيُّ أَمَامَهُ فَاسْتُهْدِفَ لَهُمْ يَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى سَقَطَ.

وَقَاتَلَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ قِتَالًا شَدِيدًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الشَّعْبِيُّ وَمُهَاجِرُ بْنُ أَوْسٍ فَقَتْلَاهُ، وَكَانَ نَافِعُ بْنُ هِلَالٍ الْجَمَلِيُّ قَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى أَفَوَاهِ نَبْلِهِ، وَكَانَتْ مَسْمُومَةً، فَقَتَلَ بِهَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سِوَى مَنْ جُرِحَ، فَضُرِبَ حَتَّى كُسِرَتْ عَضُدَاهُ وَأُخِذَ أَسِيرًا، فَأَخَذَهُ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَأَتَى بِهِ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَالدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ قَتَلْتُ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سِوَى مَنْ جَرَحْتُ، وَلَوْ بَقِيَتْ لِي عَضُدٌ وَسَاعِدٌ مَا أَسَرْتُمُونِي.

فَانْتَضَى شَمِرٌ سَيْفَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نَافِعٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَعَظُمَ عَلَيْكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ بِدِمَائِنَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مَنَايَانَا عَلَى يَدَيْ شَرَارِ خَلْقِهِ! فَقَتَلَهُ شَمِرٌ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ.

فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا، وَأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ يَمْنَعُونَ الْحُسَيْنَ وَلَا أَنْفُسَهُمْ تَنَافَسُوا أَنْ يُقْتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا عَزْرَةَ الْغِفَارِيَّانِ إِلَيْهِ فَقَالَا: قَدْ حَازَنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015