فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِ:
فَإِذَا اجْتَمَعُوا اسْتَأْنَسَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَهُمْ أَشَدُّ اسْتِحْلَالًا لِدِمَاءِ هَذِهِ الْمَارِقَةِ وَأَجْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَقَالَ لَهُ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مَعْقِلٍ. فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ خَطِيبٌ. فَأَحْفَظَهُ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ يَعِيبُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَيُكْثِرُ ذِكْرَ عَلِيٍّ وَيُفَضِّلُهُ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ يَبْلُغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تَعِيبُ عُثْمَانَ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَبْلُغَنِي أَنَّكَ تُظْهِرُ شَيْئًا مِنْ فَضْلِ عَلِيٍّ، فَأَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ، وَلَكِنَّ هَذَا السُّلْطَانَ قَدْ ظَهَرَ وَقَدْ أَخَذْنَا بِإِظْهَارِ عَيْبِهِ لِلنَّاسِ فَنَحْنُ نَدَعُ شَيْئًا كَثِيرًا مِمَّا أُمِرْنَا بِهِ، وَنَذْكُرُ الشَّيْءَ الَّذِي لَا نَجِدُ مِنْهُ بُدًّا نَدْفَعُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ أَنْفُسِنَا، فَإِنْ كُنْتَ ذَاكِرًا فَضْلَهُ فَاذْكُرْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَصْحَابِكَ فِي مَنَازِلِكُمْ سِرًّا، وَأَمَّا عَلَانِيَةً فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَحْتَمِلُهُ الْخَلِيفَةُ لَنَا. فَكَانَ يَقُولُ لَهُ: نَعَمْ، ثُمَّ يَبْلُغُهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، فَحَقَدَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ، فَقَالَ لَهُ صَعْصَعَةُ: وَمَا أَنَا إِلَّا خَطِيبٌ فَقَطْ! قَالَ: أَجَلْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَلْخَطِيبُ الصَّلِيبُ الرَّئِيسُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شَهِدْتَنِي يَوْمَ الْجَمَلِ حَيْثُ اخْتَلَفَتِ الْقَنَا فَشُئُونٌ تُفْرَى وَهَامَةٌ تُخْتَلَى لَعَلِمْتَ أَنِّي اللَّيْثُ النَّهِدُ. فَقَالَ: حَسْبُكَ، لَعَمْرِي لَقَدْ أُوتِيَتْ لِسَانًا فَصِيحًا.
وَخَرَجَ مَعْقِلٌ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ فَارِسٍ نَقَاوَةُ الشِّيعَةِ وَسَارَ إِلَى سُورَاءَ وَلَحِقَهُ أَصْحَابُهُ.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَإِنَّهُمْ سَارُوا إِلَى بَهُرَسِيرَ وَأَرَادُوا الْعُبُورَ إِلَى الْمَدِينَةِ الْعَتِيقَةِ الَّتِي فِيهَا مَنَازِلُ كِسْرَى، فَمَنَعَهُمْ سِمَاكُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَزْدِيُّ الْعَبْسِيُّ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ يَدْعُوهُ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَنْ يَتَوَلَّاهُ وَأَصْحَابَهُ. فَقَالَ سِمَاكٌ: بِئْسَ الشَّيْخُ أَنَا إِذًا! وَأَعَادَ الْجَوَابَ عَلَى الْمُسْتَوْرِدِ يَدْعُوهُ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَأَنْ يَأَخُذَ لَهُ الْأَمَانَ، فَلَمْ يُجِبْ وَأَقَامَ بِالْمَدَائِنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَلَغَهُ مَسِيرُ مَعْقِلٍ إِلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمُ الْمُسْتَوْرِدُ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْمُغِيرَةَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ وَهُوَ مِنَ السَّبَئِيَّةِ الْمُفْتَرِينَ الْكَاذِبِينَ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ بِرَأْيِكُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجْنَا نُرِيدُ اللَّهَ وَالْجِهَادَ وَقَدْ جَاءُونَا فَأَيْنَ نَذْهَبُ بَلْ نُقِيمُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَتَنَحَّى نَدْعُو النَّاسَ،