أَلَا أَيُّهَا الشَّارُونَ قَدْ حَانَ لِامْرِئٍ ... شَرَى نَفْسَهُ لِلَّهِ أَنْ يَتَرَحَّلَا
أَقَمْتُمْ بِدَارِ الْخَاطِئِينَ جَهَالَةً ... وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ يُصَادُ لِيُقْتَلَا
فَشُدُّوا عَلَى الْقَوْمِ الْعُدَاةِ فَإِنَّمَا ... أَقَامَتْكُمُ لِلذَّبْحِ رَأْيًا مُضَلِّلًا
أَلَا فَاقْصِدُوا يَا قَوْمِ لِلْغَايَةِ الَّتِي ... إِذَا ذُكِرَتْ كَانَتْ أَبَرَّ وَأَعْدَلَا
فَيَا لَيْتَنِي فِيكُمْ عَلَى ظَهْرِ سَابِحٍ ... شَدِيدِ الْقُصَيْرَى دَارِعًا غَيْرَ أَعْزَلَا
وَيَا لَيْتَنِي فِيكُمُ الْعَادِي عَدُوَّكُمْ ... فَيَسْقِينِي كَأْسَ الْمَنِيَّةِ أَوَّلَا
يَعِزُّ عَلِيَّ أَنْ تُخَافُوا وَتُطْرَدُوا ... وَلَمَّا أُجَرِّدْ فِي الْمُحِلِّينَ مُنْصُلَا
وَلَمَّا يُفَرِّقْ جَمْعَهُمْ كُلُّ مَاجِدٍ ... إِذَا قُلْتَ قَدْ وَلَّى وَأَدْبَرَ أَقْبَلَا
مُشِيحًا بِنَصْلِ السَّيْفِ فِي حَمَسِ الْوَغَى ... يَرَى الصَّبْرَ فِي بَعْضِ الْمُوَاطِنِ أَمْثَلَا
وَعَزَّ عَلَيَّ أَنْ تُصَابُوا وَتُنْقَصُوا ... وَأَصْبَحَ ذَا بَثٍّ أَسِيرًا مُكَبَّلَا
وَلَوْ أَنَّنِي فِيكُمْ وَقَدْ قَصَدُوا لَكُمْ ... أَثَرْتُ إِذًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قَسْطَلَا
فَيَا رُبَّ جَمْعٍ قَدْ فَلَلْتُ وَغَارَةٍ ... شَهِدْتُ وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدَّلَا
وَأَرْسَلَ الْمُسْتَوْرِدُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمُ: اخْرُجُوا مِنْ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ، وَاتَّعِدُوا سُورَاءَ. فَخَرَجُوا إِلَيْهَا مُتَقَطِّعِينِ، فَاجْتَمَعُوا بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَسَارُوا إِلَى الصَّرَاةِ، فَسَمِعَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خَبَرَهُمْ فَدَعَا رُؤَسَاءَ النَّاسِ فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَنْ يُرْسِلُهُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: كُلُّنَا لَهُمْ عَدُوٌّ وَلِرَأْيِهِمْ مُبْغِضٌ وَبِطَاعَتِكَ مُسْتَمْسِكٌ، فَأَيَّنَا شِئْتَ سَارَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ لَهُ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّكَ لَا تَبْعَثُ إِلَيْهِمْ أَحَدًا مِمَّنْ تَرَى حَوْلَكَ إِلَّا رَأَيْتَهُ سَامِعًا مُطِيعًا وَلَهُمْ مُفَارِقًا وَلِهَلَاكِهِمْ مُحِبًّا، وَلَا أَرَى أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِمْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَعْدَى لَهُمْ مِنِّي، فَابْعَثْنِي إِلَيْهِمْ، فَأَنَا أَكْفِيكَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: اخْرُجْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ! فَجَهَّزَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: الْصِقْ بِمَعْقِلٍ شِيعَةَ عَلِيٍّ؛