وَنَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ. فَقَالَ لَهُمْ: لَا أَرَى أَنْ نُقِيمَ حَتَّى يَأْتُونَا وَهُمْ مُسْتَرِيحُونَ، بَلْ أَرَى أَنْ نَسِيرَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَيَخْرُجُوا فِي طَلَبِنَا فَيَنْقَطِعُوا وَيَتَبَدَّدُوا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.

فَسَارُوا فَعَبَرُوا بِجَرْجَرَايَا، وَمَضَوْا إِلَى أَرْضِ جُوخَى ثُمَّ بَلَغُوا الْمَذَارَ فَأَقَامُوا بِهَا.

وَبَلَغَ ابْنَ عَامِرٍ بِالْبَصْرَةِ خَبَرُهُمْ، فَسَأَلَ كَيْفَ صَنَعَ الْمُغِيرَةُ فَأُخْبِرَ بِفِعْلِهِ، فَاسْتَدْعَى شَرِيكَ بْنَ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيَّ، وَكَانَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ إِلَى هَذِهِ الْمَارِقَةِ. فَفَعَلَ. وَانْتَخَبَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ الشِّيعَةِ، وَكَانَ أَكْثُرُهُمْ مِنْ رَبِيعَةَ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْمَذَارِ.

وَأَمَّا مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ فَسَارَ إِلَى الْمَدَائِنِ حَتَّى بَلَغَهَا، فَبَلَغَهُ رَحِيلُهُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ لَهُمْ مَعْقِلٌ:

إِنَّهُمْ سَارُوا لِتَتَّبِعُوهُمْ وَتَتَبَدَّدُوا وَتَنْقَطِعُوا فَتَلْحَقُوهُمْ وَقَدْ تَعِبْتُمْ، وَإِنَّهُ لَا يُصِيبُكُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَصَابَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ. وَسَارَ فِي أَثَارِهِمْ وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبَا الرَّوَاغِ الشَّاكِرِيَّ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، فَتَبِعَهُمْ أَبُو الرَّوَاغِ حَتَّى لَحِقَهُمْ بِالْمَذَارِ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي قِتَالِهِمْ قَبْلَ قُدُومِ مَعْقِلٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَفْعَلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:

بَلْ نُقَاتِلُهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ مَعْقِلًا أَمَرَنِي أَنْ لَا أُقَاتِلَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَعْقِلٌ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ. فَبَاتُوا يَتَحَارَسُونَ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا أَيْضًا ثَلَاثَمِائَةٍ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ أَبِي الرَّوَاغِ سَاعَةً ثُمَّ صَاحَ بِهِمْ أَبُو الرَّوَاغِ: الْكَرَّةَ الْكَرَّةَ! وَحَمَلَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْخَوَارِجِ عَادُوا مُنْهَزِمِينَ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَصَاحَ بِهِمْ أَبُو الرَّوَاغِ أَيْضًا:

ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمُ! ارْجِعُوا بِنَا نَكُنْ قَرِيبًا مِنْهُمْ لَا نُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَقْدَمَ عَلَيْنَا أَمِيرُنَا، وَمَا أَقْبَحَ بِنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى الْجَيْشِ مُنْهَزِمِينَ مِنْ عَدُوِّنَا! فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، قَدْ وَاللَّهِ هَزَمُونَا. فَقَالَ لَهُ: لَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِينَا مِثْلَكَ، إِنَّا مَا لَمْ نُفَارِقِ الْمَعْرَكَةَ فَلَمْ نُهْزَمْ، وَمَتَى عَطَفْنَا عَلَيْهِمْ وَكُنَّا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَنَحْنُ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ، فَقِفُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَإِنْ أَتَوْكُمْ وَعَجَزْتُمْ عَنْهُمْ فَتَأَخَّرُوا قَلِيلًا، فَإِذَا حَمَلُوا عَلَيْكُمْ وَعَجَزْتُمْ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015