فَأَحْلَلْتَ نَفْسَكَ مَعَ الْفُجَّارِ؟ فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ وَلَمْ يَسُؤْنِي. فَقَطَعَ الْحَسَنُ عَلَيْهِمَا الْكَلَامَ، وَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ: لِمَ تُثَبِّطِ النَّاسَ عَنَّا؟ فَوَاللَّهِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْإِصْلَاحَ، وَلَا مِثْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يُخَافُ عَلَى شَيْءٍ. فَقَالَ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَلَكِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ» ". وَقَدْ جَعَلَنَا اللَّهُ إِخْوَانًا، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا. فَغَضِبَ عَمَّارٌ وَسَبَّهُ وَقَامَ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا قَالَ لَهُ وَحْدَهُ: أَنْتَ فِيهَا قَاعِدًا خَيْرٌ مِنْكَ قَائِمًا. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَسَبَّ عَمَّارًا وَقَالَ: أَنْتَ أَمْسِ مَعَ الْغَوْغَاءِ وَالْيَوْمَ تُسَافِهُ أَمِيرَنَا! وَثَارَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَطَبَقَتُهُ، وَثَارَ النَّاسُ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يُكَفْكِفُ النَّاسَ، وَوَقَفَ زَيْدٌ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ كِتَابٌ إِلَيْهِ مِنْ عَائِشَةَ تَأْمُرُهُ فِيهِ بِمُلَازَمَةِ بَيْتِهِ أَوْ نُصْرَتِهَا، وَكِتَابٌ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِمَعْنَاهُ، فَأَخْرَجَهُمَا فَقَرَأَهُمَا عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمَا قَالَ: أُمِرَتْ أَنْ تَقَرَّ فِي بَيْتِهَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، فَأَمَرَتْنَا بِمَا أُمِرَتْ بِهِ وَرَكِبَتْ مَا أُمِرْنَا بِهِ. فَقَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ: يَا عُمَانِيُّ لِأَنَّهُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُمْ يَسْكُنُونَ عُمَانَ سَرَقْتَ بِجَلُولَاءَ فَقُطِعَتْ يَدُكَ، وَعَصَيْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! وَتَهَاوَى النَّاسُ.
وَقَامَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي وَكُونُوا جُرْثُومَةً مِنْ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ يَأْوِي إِلَيْكُمُ الْمَظْلُومُ، وَيَأْمَنُ فِيكُمُ الْخَائِفُ، إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ فَإِذَا أَدْبَرَتْ بَيَّنَتْ، وَإِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ فَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ تَجْرِي بِهَا الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَالصَّبَا وَالدَّبُورُ، تَذَرُ الْحَلِيمَ وَهُوَ حَيْرَانُ كَابْنِ أَمْسِ، شِيمُوا سُيُوفَكُمْ، وَقَصِّدُوا رِمَاحَكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا بُيُوتَكُمْ، خَلُّوا قُرَيْشًا إِذَا أَبَوْا إِلَّا الْخُرُوجَ مِنْ دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِرَاقَ أَهْلِ عِلْمٍ بِالْأُمَرَاءِ، اسْتَنْصِحُونِي وَلَا تَسْتَغِشُّونِي، أَطِيعُونِي يَسْلَمْ لَكُمْ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَيَشْقَى بِحَرِّ هَذِهِ الْفِتْنَةِ مَنْ جَنَاهَا.
فَقَامَ زَيْدٌ فَشَالَ يَدَهُ الْمَقْطُوعَةَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ رُدَّ الْفُرَاتَ عَلَى أَدْرَاجِهِ، ارْدُدْهُ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ، فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ فَسَتَقْدِرُ عَلَى مَا تُرِيدُ،