مِنَّا وَأَجَابُونَا إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُجِيبُونَا إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ بِعُذْرِهِمْ وَنُعْطِيهِمُ الْحَقَّ وَنَصْبِرُ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ مَا تَرَكُونَا.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُونَا؟ قَالَ: امْتَنَعْنَا مِنْهُمْ. قَالَ: فَنَعَمْ إَذًا. وَقَامَ الْحَجَّاجُ بْنُ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: لَأُرْضِيَنَّكَ بِالْفِعْلِ كَمَا أَرْضَيْتَنِي بِالْقَوْلِ، وَقَالَ:
دَرَاكِهَا دَرَاكِهَا قَبْلَ الْفَوْتْ ... فَانْفِرْ بِنَا وَاسْمُ بِنَا نَحْوَ الصَّوْتْ
لَا وَأَلَتْ نَفْسِي إِنْ كَرِهْتُ الْمَوْتْ ... وَاللَّهِ لَنَنْصُرَنَّ اللَّهَ كَمَا سَمَّانَا أَنْصَارًا
! ثُمَّ أَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ طَيِّءٍ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ، فَقِيلَ لَعَلِيٍّ: هَذِهِ جَمَاعَةٌ قَدْ أَتَتْكَ، مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مَعَكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ التَّسْلِيمَ عَلَيْكَ. قَالَ: جَزَى اللَّهُ كِلَيْهِمَا خَيْرًا، {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا شَهِدْتُمُونَا بِهِ؟ قَالُوا: شَهِدْنَاكَ بِكُلِّ مَا تُحِبُّ. فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَسْلَمْتُمْ طَائِعِينَ، وَقَاتَلْتُمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَوَافَيْتُمْ بِصَدَقَاتِكُمُ الْمُسْلِمِينَ. فَنَهَضَ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعَبِّرُ لِسَانُهُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِسَانِي يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِي، وَسَأَجْهَدُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، أَمَّا أَنَا فَسَأَنْصَحُ لَكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأُقَاتِلُ عَدُوَّكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَأَرَى مِنَ الْحَقِّ لَكَ مَا لَا أَرَاهُ لِأَحَدٍ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ لِفَضْلِكَ وَقَرَابَتِكَ. فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ! قَدْ أَدَّى لِسَانُكَ عَمَّا يَجِنُّ ضَمِيرُكَ. فَقُتِلَ مَعَهُ بِصِفِّينِ.
وَسَارَ عَلِيٌّ مِنَ الرَّبَذَةِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ أَبُو لَيْلَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَالرَّايَةُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلِيٌّ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ يَقُودُ فَرَسًا كُمَيْتًا.
فَلَمَّا نَزَلَ بِفَيْدَ أَتَتْهُ أَسَدٌ وَطَيِّءٌ، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، فَقَالَ: الْزَمُوا قَرَارَكُمْ، فِي الْمُهَاجِرِينَ كِفَايَةٌ. وَأَتَاهُ رَجُلٌ بِفَيْدَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَهُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَامِرُ بْنُ مَطَرٍ