قَدِمُوا الْبَصْرَةَ كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ: مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى ابْنِهَا الْخَالِصِ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاقْدُمْ فَانْصُرْنَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَخَذِّلِ النَّاسَ عَنْ عَلِيٍّ.

فَكَتَبَ إِلَيْهَا: أَمَّا بَعْدُ فَأَنَا ابْنُكِ الْخَالِصُ، لَئِنِ اعْتَزَلْتِ وَرَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، وَإِلَّا فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ نَابَذَكِ.

وَقَالَ زَيْدٌ: رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أُمِرَتْ أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَهَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ، فَتَرَكَتْ مَا أُمِرَتْ وَأَمَرَتْنَا بِهِ، وَصَنَعَتْ مَا أُمِرْنَا بِهِ وَنَهَتْنَا عَنْهُ.

وَكَانَ عَلَى الْبَصْرَةِ عِنْدَ قُدُومِهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ لَهُمْ: مَا نَقَمْتُمْ عَلَى صَاحِبِكُمْ؟ فَقَالُوا: لَمْ نَرَهُ أَوْلَى بِهَا مِنَّا وَقَدْ صَنَعَ مَا صَنَعَ. قَالَ: فَإِنَّ الرَّجُلَ أَمَّرَنِي فَأَكْتُبُ إِلَيْهِ فَأُعْلِمُهُ مَا جِئْتُمْ بِهِ، عَلَى أَنْ أُصَلِّيَ أَنَا بِالنَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَنَا كِتَابُهُ.

فَوَقَفُوا عَنْهُ، فَكَتَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً حَتَّى وَثَبُوا عَلَى عُثْمَانَ عِنْدَ مَدِينَةِ الرِّزْقِ، فَظَفِرُوا بِهِ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، ثُمَّ خَشُوا غَضَبَ الْأَنْصَارِ، فَنَتَفُوا شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَضَرَبُوهُ وَحَبَسُوهُ. وَقَامَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ خَطِيبَيْنِ فَقَالَا: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ تَوْبَةً لِحَوْبَةٍ، إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نَسْتَعْتِبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، فَغَلَبَ السُّفَهَاءُ الْحُلَمَاءَ فَقَتَلُوهُ! فَقَالَ النَّاسُ لِطَلْحَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ كَانَتْ كُتُبُكَ تَأْتِينَا بِغَيْرِ هَذَا. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنِّي كِتَابٌ فِي شَأْنِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ عُثْمَانَ وَأَظْهَرَ عَيْبَ عَلِيٍّ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنْصِتْ حَتَّى نَتَكَلَّمَ. فَأَنْصَتَ. فَقَالَ الْعَبْدِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَكُمْ بِذَلِكَ فَضْلٌ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا دَخَلْتُمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَايَعْتُمْ رَجُلًا مِنْكُمْ فَرَضِينَا وَسَلَّمْنَا، وَلَمْ تَسْتَأْمِرُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي إِمَارَتِهِ بَرَكَةً، ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْكُمْ رَجُلًا فَلَمْ تُشَاوِرُونَا فِي ذَلِكَ فَرَضِينَا وَسَلَّمْنَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَعَلَ أَمْرَكُمْ إِلَى سِتَّةِ نَفَرٍ فَاخْتَرْتُمْ عُثْمَانَ وَبَايَعْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَتِنَا، ثُمَّ أَنْكَرْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا فَقَتَلْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، ثُمَّ بَايَعْتُمْ عَلِيًّا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، فَمَا الَّذِي نَقِمْتُمْ عَلَيْهِ فَنُقَاتِلُهُ؟ هَلِ اسْتَأْثَرَ بِفَيْءٍ، أَوْ عَمِلَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ أَتَى شَيْئًا تُنْكِرُونَهُ فَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَمَا هَذَا؟ فَهَمُّوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015