وَأَقْبَلُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ وَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ، لَقَتْلُ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِنْ خُرُوجِكِ مِنْ بَيْتِكِ عَلَى هَذَا الْجَمَلِ الْمَلْعُونِ عُرْضَةً لِلسِّلَاحِ! إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَكِ مِنَ اللَّهِ سِتْرٌ وَحُرْمَةٌ، فَهَتَكْتِ سِتْرَكِ وَأَبَحْتِ حُرْمَتَكِ! إِنَّهُ مَنْ رَأَى قِتَالَكِ يَرَى قَتْلَكِ! لَئِنْ كُنْتِ أَتَيْتِنَا طَائِعَةً فَارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ، وَإِنْ كُنْتِ أَتَيْتِنَا مُكْرَهَةً فَاسْتَعِينِي بِالنَّاسِ.

وَخَرَجَ غُلَامٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي سَعْدٍ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَمَّا أَنْتَ يَا زُبَيْرُ فَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا أَنْتَ يَا طَلْحَةَ فَوَقَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِكَ وَأَرَى أُمَّكُمَا مَعَكُمَا، فَهَلْ جِئْتُمَا بِنِسَائِكُمَا؟ قَالَا: لَا. قَالَ: فَمَا أَنَا مِنْكُمْ فِي شَيْءٍ، وَاعْتَزَلَ وَقَالَ فِي ذَلِكَ:

صُنْتُمْ حَلَائِلَكُمْ وَقُدْتُمْ أُمَّكُمْ ... هَذَا لَعَمْرُكَ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ

أُمِرَتْ بِجَرِّ ذُيُولِهَا فِي بَيْتِهَا ... فَهَوَتْ تَشُقُّ الْبِيدَ بِالْإِيجَافِ

غَرَضًا يُقَاتِلُ دُونَهَا أَبْنَاؤُهَا ... بِالنَّبْلِ وَالْخَطِّيِّ وَالْأَسْيَافِ

هُتِكَتْ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ سُتُورُهَا ... هَذَا الْمُخَبَّرُ عَنْهُمُ وَالْكَافِي

وَأَقْبَلَ حُكَيْمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ - وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ - فَأَنْشَبَ الْقِتَالَ، وَأَشْرَعَ أَصْحَابُ عَائِشَةَ رِمَاحَهُمْ، وَأَمْسَكُوا لِيُمْسِكَ حُكَيْمٌ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، وَقَاتَلَهُمْ وَأَصْحَابُ عَائِشَةَ كَافُّونَ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَحَكِيمٌ يَذْمُرُ خَيْلَهُ وَيَرْكَبُهُمْ بِهَا، فَاقْتَتَلُوا عَلَى فَمِ السِّكَّةِ، وَأَمَرَتْ عَائِشَةُ أَصْحَابَهَا فَتَيَامَنُوا إِلَى مَقْبَرَةِ بَنِي مَازِنٍ، وَحَجَزَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ، وَرَجَعَ عُثْمَانُ إِلَى الْقَصْرِ، وَأَتَى أَصْحَابُ عَائِشَةَ إِلَى نَاحِيَةِ دَارِ الرِّزْقِ، وَبَاتُوا يَتَأَهَّبُونَ، وَبَاتَ النَّاسُ يَأْتُونَهُمْ، وَاجْتَمَعُوا بِسَاحَةِ دَارِ الرِّزْقِ. فَغَادَاهُمْ حُكَيْمُ بْنُ جَبَلَةَ وَهُوَ يَسُبُّ وَبِيَدِهِ الرُّمْحُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَسُبُّهُ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَلِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا؟ فَطَعَنَهُ حُكَيْمٌ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهُوَ يَسُبُّهَا أَيْضًا، فَقَالَتْ لَهُ: أَلِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ؟ فَطَعَنَهَا فَقَتَلَهَا. ثُمَّ سَارَ فَاقْتَتَلُوا بِدَارِ الرِّزْقِ قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى أَنْ زَالَ النَّهَارُ وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَكَثُرَ الْجِرَاحُ فِي الْفَرِيقَيْنِ. فَلَمَّا عَضَّتْهُمُ الْحَرْبُ تَنَادَوْا إِلَى الصُّلْحِ وَتَوَادَعُوا، فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا رَسُولًا إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ أَهْلَهَا، فَإِنْ كَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أُكْرِهَا خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عَنِ الْبَصْرَةِ وَأَخْلَاهَا لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أُكْرِهَا خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا بِذَلِكَ. وَسَارَ كَعْبُ بْنُ سُورٍ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُهُمْ. فَلَمَّا قَدِمَهَا اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015