إِلَى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَإِلَى الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، وَصَبْرَةَ بْنِ شَيْمَانَ، وَأَمْثَالِهِمْ، وَأَقَامَتْ بِالْحَفِيرِ تَنْتَظِرُ الْجَوَابَ.
وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ دَعَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عِمْرَانَ بْنَ حَصِينٍ - وَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ - وَأَلَزَّهُ بِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ - وَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةٍ - وَقَالَ لَهُمَا: انْطَلِقَا إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمَا عِلْمَهَا وَعِلْمَ مَنْ مَعَهَا. فَخَرَجَا فَانْتَهَيَا إِلَيْهَا بِالْحَفِيرِ، فَأَذِنَتْ لَهُمَا، فَدَخَلَا وَسَلَّمَا وَقَالَا: إِنَّ أَمِيرَنَا بَعَثَنَا إِلَيْكَ لِنَسْأَلَكَ عَنْ مَسِيرِكَ، فَهَلْ أَنْتِ مُخْبِرَتُنَا؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلِي يُعْطِي لِبَنِيهِ الْخَبَرَ، إِنَّ الْغَوْغَاءَ وَنُزَّاعَ الْقَبَائِلِ غَزَوْا حَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْدَثُوا فِيهِ وَآوَوُا الْمُحْدِثِينَ، فَاسْتَوْجَبُوا لَعْنَةَ اللَّهِ وَلَعْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا نَالُوا مِنْ قَتْلِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا تِرَةٍ وَلَا عُذْرٍ، فَاسْتَحَلُّوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوهُ، وَانْتَهَبُوا الْمَالَ الْحَرَامَ، وَأَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ فِي الْمُسْلِمِينَ أُعَلِّمُهُمْ مَا أَتَى هَؤُلَاءِ، وَمَا النَّاسُ فِيهِ وَرَاءَنَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ مِنْ إِصْلَاحِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَرَأْتُ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء: 114] الْآيَةَ، فَهَذَا شَأْنُنَا إِلَى مَعْرُوفٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِ وَمُنْكَرٍ نَنْهَاكُمْ عَنْهُ.
فَخَرَجَ عِمْرَانُ وَأَبُو الْأَسْوَدِ مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَيَا طَلْحَةَ وَقَالَا: مَا أَقْدَمَكَ؟ فَقَالَ: الطَّلَبُ بِدَمِ عُثْمَانَ. فَقَالَا: أَلَمْ تُبَايِعْ عَلِيًّا؟ فَقَالَ: بَلَى وَالسَّيْفُ عَلَى عُنُقِي، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا الْبَيْعَةَ إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. ثُمَّ أَتَيَا الزُّبَيْرَ فَقَالَا لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِمَا لِطَلْحَةَ، وَقَالَ لَهُمَا مِثْلَ قَوْلِ طَلْحَةَ، فَرَجَعَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَنَادَى مُنَادِيهَا بِالرَّحِيلِ، فَدَخَلَا عَلَى عُثْمَانَ فَبَادَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ عِمْرَانَ فَقَالَ:
يَا ابْنَ حُنَيْفٍ قَدْ أُتِيتَ فَانْفِرِ ... وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَجَالِدْ وَاصْبِرِ
وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلْئِمًا وَشَمِّرِ
فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، دَارَتْ رَحَى الْإِسْلَامِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَانْظُرُوا بِأَيِّ زَيَفَانٍ تَزِيفُ. فَقَالَ عِمْرَانُ: إِيْ وَاللَّهِ لَتَعْرِكَنَّكُمْ عَرْكًا طَوِيلًا. قَالَ: فَأَشِرْ عَلَيَّ يَا عِمْرَانُ. قَالَ: اعْتَزِلْ فَإِنِّي قَاعِدٌ. قَالَ عُثْمَانُ: بَلْ أَمْنَعُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.