مُنَادِيهَا: إِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ شَاخِصُونَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ إِعْزَازَ الْإِسْلَامِ وَقِتَالَ الْمُحِلِّينَ وَالطَّلَبَ بِثَأْرِ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ لَهُ مَرْكَبٌ وَجِهَازٌ فَلْيَأْتِ! فَحَمَلُوا سِتَّمِائَةٍ عَلَى سِتِّمِائَةِ بَعِيرٍ وَسَارُوا فِي أَلْفٍ. وَقِيلَ: فِي تِسْعِمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَلَحِقَهُمُ النَّاسُ، فَكَانُوا فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ. وَبَعَثَتْ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَرْثِ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ يُدْعَى ظَفَرًا، فَاسْتَأْجَرَتْهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلِيًّا بِالْخَبَرِ، فَقَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ بِكِتَابِهَا.
وَخَرَجَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْهَا أَذَّنَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَقَالَ: عَلَى أَيِّكُمْ أُسَلِّمُ بِالْإِمْرَةِ وَأُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَبَاهُ الزُّبَيْرَ -. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ - يَعْنِي أَبَاهُ طَلْحَةَ -. فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَقَالَتْ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُفَرِّقَ أَمْرَنَا! لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ ابْنُ أُخْتِي - تَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -. وَقِيلَ: بَلْ صَلَّى بِالنَّاسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ مُعَاذُ بْنُ عُبَيْدٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ ظَفِرْنَا لَاقْتَتَلْنَا، مَا كَانَ الزُّبَيْرُ يَتْرُكُ طَلْحَةَ وَالْأَمْرَ، وَلَا كَانَ طَلْحَةُ يَتْرُكُ الزُّبَيْرَ وَالْأَمْرَ.
وَتَبِعَهَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَبَكَوْا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا وَبَاكِيَةً مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَكَانَ يُسَمَّى يَوْمُ النَّحِيبِ. فَلَمَّا بَلَغُوا ذَاتَ عِرْقٍ لَقِيَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَأَصْحَابَهُ بِهَا فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُونَ وَتَتْرُكُونَ ثَأْرَكُمْ عَلَى أَعْجَازِ الْإِبِلِ وَرَاءَكُمْ؟ - يَعْنِي: عَائِشَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ -. اقْتُلُوهُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ. فَقَالُوا: نَسِيرُ فَلَعَلَّنَا نَقْتُلُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ جَمِيعًا. فَخَلَا سَعِيدٌ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنْ ظَفِرْتُمَا لِمَنْ تَجْعَلَانِ الْأَمْرَ؟ أَصْدِقَانِي. قَالَا: نَجْعَلُهُ لِأَحَدِنَا أَيَّنَا اخْتَارَهُ النَّاسُ. قَالَ: بَلْ تَجْعَلُونَهُ لِوَلَدِ عُثْمَانَ، فَإِنَّكُمْ خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ. فَقَالَا: نَدَعُ شُيُوخَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَجْعَلُهَا لِأَيْتَامٍ! قَالَ: فَلَا أَرَانِي أَسْعَى إِلَّا لِإِخْرَاجِهَا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. فَرَجَعَ وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ