فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَكَانَ عَامِلَ عُثْمَانَ عَلَى مَكَّةَ: هَا أَنَا أَوَّلُ طَالِبٍ! فَكَانَ أَوَّلَ مُجِيبٍ، وَتَبِعَهُ أُمَيَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانُوا هَرَبُوا مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ إِلَى مَكَّةَ وَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمُوا بِالْحِجَازِ وَتَبِعَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَسَائِرُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ، وَهُوَ ابْنُ مُنْيَةَ، مِنَ الْيَمَنِ وَمَعَهُ سِتُّمِائَةِ بَعِيرٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ.
وَقَدِمَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَا عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكُمَا؟ فَقَالَا: إِنَّا تَحَمَّلْنَا هُرَّابًا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ غَوْغَاءَ وَأَعْرَابٍ وَفَارَقْنَا قَوْمًا حَيَارَى لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا وَلَا يُنْكِرُونَ بَاطِلًا وَلَا يَمْنَعُونَ أَنْفُسَهُمْ. فَقَالَتْ: انْهَضُوا إِلَى هَذِهِ الْغَوْغَاءِ. فَقَالُوا: نَأْتِي الشَّامَ. فَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ: قَدْ كَفَاكُمُ الشَّامَ مُعَاوِيَةُ، فَأْتُوا الْبَصْرَةَ فَإِنَّ لِي بِهَا صَنَائِعَ، وَلَهُمْ فِي طَلْحَةَ هَوًى. قَالُوا: قَبَّحَكَ اللَّهُ! فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ بِالْمُسَالِمِ وَلَا بِالْمُحَارِبِ، فَهَلَّا أَقَمْتَ كَمَا أَقَامَ مُعَاوِيَةُ فَنُكْفَى بِكَ، ثُمَّ نَأْتِيَ الْكُوفَةَ فَنَسُدَّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمَذَاهِبَ؟ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ جَوَابًا مَقْبُولًا، فَاسْتَقَامَ الرَّأْيُ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَقَالُوا لَهَا: نَتْرُكُ الْمَدِينَةَ فَإِنَّا خَرَجْنَا فَكَانَ مَعَنَا مَنْ لَا يُطِيقُ مَنْ بِهَا مِنَ الْغَوْغَاءِ وَنَأْتِي بَلَدًا مُضَيَّعًا سَيَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِبَيْعَةِ عَلِيٍّ فَتُنْهِضِينَهُمْ كَمَا أَنْهَضْتِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنْ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمْرَ كَانَ الَّذِي أَرَدْنَا، وَإِلَّا دَفَعْنَا بِجُهْدِنَا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا أَرَادَ.
فَأَجَابَتْهُمْ إِلَى ذَلِكَ. وَدَعَوْا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لِيَسِيرَ مَعَهُمْ، فَأَبَى وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَفْعَلُ مَا يَفْعَلُونَ. فَتَرَكُوهُ.
وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا، عَلَى قَصْدِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا تَغَيَّرَ رَأْيُهَا إِلَى الْبَصْرَةِ تَرَكْنَ ذَلِكَ، وَأَجَابَتْهُمْ حَفْصَةُ إِلَى الْمَسِيرِ مَعَهُمْ، فَمَنَعَهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَهَّزَهُمْ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ بِسِتِّمِائَةِ بَعِيرٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَجَهَّزَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَنَادَى