الذي يندرئ بالشبهات، فهاهنا أولى. ولا يصح الإيجاب والقبول بغير العربية لمن يحسنها؛ لأنه عدول عن لفظ الإنكاح والتزويج مع إمكانهما فلم يصح، لما ذكرنا. ويصح بمعناهما الخاص بكل لسان لمن يحسنهما؛ لأنه يشتمل على معنى اللفظ العربي، فأشبه ما لو أتى به، وليس عليه تعلمهما بالعربية؛ لأن النكاح غير واجب، فلا يلزم تعلم أركانه، كالبيع، ولأن المقصود المعنى دون اللفظ المعجوز وهو حاصل، بخلاف القراءة. وقال أبو الخطاب: يلزمه التعلم؛ لأن ما كانت العربية شرطاً فيه عند الإمكان لزمه تعلمه، كالتكبير. وإذا فهمت إشارة الأخرس صح النكاح بها؛ لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهته فصح بإشارته، كبيعه. وإن تقدم القبول على الإيجاب لم يصح؛ لأن القبول إنما هو بالإيجاب، فيشترط تأخره عنه. وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه؛ لأن حكم المجلس حكم حالة العقد، بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه، فإن تفرقا قبله، أو تشاغلا بغيره قبل القبول بطل الإيجاب؛ لأنهما أعرضا عنه بتفرقهما، أو تشاغلهما فبطل، كما لو طال التراخي. ونقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا: زوج فلاناً على ألف، فقال: قد زوجته على ألف، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقبل، هل يكون هذا نكاحاً؟ قال: نعم. فجعل أبو بكر هذا رواية ثانية. وقال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس. وإن خرج أحدهما عن أهلية العقد بجنون، أو إغماء أو موت قبل القبول بطل؛ لأنه لن ينعقد فبطل بهذه المعاني، كإيجاب البيع. ومتى عقد النكاح هازلاً أو تلجئة صح؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة» رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
فصل:
وفي الكفاءة روايتان:
إحداهما: هي شرط لصحة النكاح، فإذا فاتت لم يصح. وإن رضوا به، لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء» وقال عمر: لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء؛ ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به فلم يصح، كما لو زوجها وليها بغير رضاها.
والثانية: ليست شرطاً؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوج زيداً مولاه ابنة عمته زينب بنت