أن الهبة تبطل لذلك، وهو قول القاضي. وقال أبو الخطاب: لا تبطل، لأنه عقد مآله إلى اللزوم، فلا يبطل بالموت، كبيع الخيار. ويقوم الوارث مقام المورثين في التقبيض والفسخ، فإذا قبض، ثبت الملك حينئذ. والخيرة في التقبيض إلى الواهب، لأنه بعض ما يثبت به الملك فكانت الخيرة له فيه، كالإيجاب، ولا يجوز القبض إلا بإذنه، لأنه غير مستحق عليه، فإن قبض بغير إذنه، لم تتم الهبة. وإن أذن، ثم رجع قبل القبض، أو مات بطل الإذن.
فصل:
وأما غير المكيل والموزون، ففيه روايتان:
إحداهما: لا تتم هبته إلا بالقبض، لأنه نوع هبة، فلم تتم قبل القبض، كالمكيل والموزون.
والثانية: تتم قبل القبض، لما روي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قالا: الهبة إذا كانت معلومة، فهي جائزة، قبضت أو لم تقبض، ولأن الهبة أحد نوعي التمليك، فكان منها ما يلزم قبل القبض، كالبيع، وقد ذكرنا اختلاف تفسير أصحابنا للمكيل والموزون في البيع، وإن كان الموهوب في يد المتهب، لم يحتج إلى قبض، لأن قبضه مستدام، وهل يفتقر إلى إذن في القبض؟ فيه روايتان. وذكر القاضي: أنه لا بد من مُضِيّ مدة يتأتى قبضه فيها لما ذكرنا في الرهن.
فصل:
فإن وهب لابنه الصغير شيئاً، وقبضه له، صح ولزم؛ لأنه وليه، فكان له القبض، كما لو كان الواهب أجنبياً، ويكون حكم القبض حكمه فيما إذا وهب له رجل شيئاً في يده؛ لأنه في يد الأب.
فصل:
والهبة المطلقة لا تقتضي ثواباً، سواء كانت من مماثل أو أعلى أو أدنى، لأنها عطية على وجه التبرع، فلم تقتض ذلك كالصدقة. وإن شرط ثواباً معلوماً صح، وكانت بيعاً يثبت فيه الخيار والشفعة، وضمان العهدة، وحكي عن أحمد رواية ثانية: أنه يغلب فيها حكم الهبة، فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به. وإن شرط ثواباً مجهولاً، احتمل أنه لا يصح، لأنه عوض مجهول في معاوضة، فلم يصح كالبيع.
وعنه: أنه يصح ويعطيه ما يرضيه أو يردها، ويحتمل أن يعطيه قيمتها، فإن لم يفعل فللواهب الرجوع، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: من وهب هبة أراد بها