وأمره يقتضي الوجوب، فإن مات، ولم يسو بينهم، ففيه روايتان:
إحداهما: يثبت ذلك لمن وهب له، ويسقط حق الرجوع، اختاره الخرقي، ولأنه حق للأب، يتعلق بمال الولد، فسقط بموته، كالأخذ من ماله.
والثانية: يجب رده، وهذا اختيار ابن بطة وصاحبه أبي حفص، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه جوراً، والجور يجب رده بكل حال، والتسوية المأمور بها القسمة بينهم على قدر مواريثهم، لأنه تعجيل لما يصل إليهم بعد الموت، فأشبه الميراث.
فصل:
فإن خص بعض ولده لغرض صحيح، من زيادة حاجة، أو عائلة، أو اشتغاله بعلم، أو لفسق الآخر وبدعته، فقد روي عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يدل على جوازه، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان في سبيل الحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. ووجه ذلك، ما روي أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لعائشة: كنت قد نحلتك جذاذ عشرين وسقاً، ووددت أنك حزتيه، وإنما هو اليوم مال الوارث، وإنما هما أخواك وأختاك. ويحتمل المنع، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستفصل بشيراً.
فصل:
والأم كالأب في التسوية بين الأولاد، لأنها أحد الأبوين، فأشبهت الأب. ولا تجب التسوية بين سائر الورَّاث، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم أن لبشير زوجة، فلم يأمره بإعطائها، حين أمره بالتسوية بين أولاده.
فصل:
وما جاز بيعه من مقسوم، أو مشاع، أو غيره، جازت هبته، لأنه عقد يقصد به تمليك العين، فأشبه البيع. وتجوز هبة الكلب، وما يباح الانتفاع به من النجاسات، لأنه تبرع، فجاز في ذلك، كالوصية. ولا يجوز في مجهول، ولا معجوز عن تسليمه، ولا في المبيع قبل قبضه، لأنه عقد يقصد به التمليك في الحياة، أشبه البيع، ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل لذلك. والحكم في الإيجاب والقبول فيها، كالحكم في البيع على ما ذكر في بابه.
فصل:
ولا يثبت الملك للموهوب له في المكيل والموزون إلا بقبضه، لحديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحوه، فإن مات الموهوب له قبل القبض، بطلت، لأنه غير لازم، فيبطل بالموت كالشركة. وإن مات الواهب، فعنه ما يدل على