والثاني: إلى حاكم البلد، لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه وحق من ينتقل إليه، ففوض الأمر فيه إلى الحاكم، فإن جعله إلى اثنين من أفاضل ولده، جعل إليهما، فإن لم يوجد فيهما إلا فاضل واحد، ضم الحاكم إليه آخر؛ لأن الواقف لم يرض بنظر واحد.
فصل
وإن اختلف أرباب الوقف فيه، رجع إلى الواقف، لأن الوقف ثبت بقوله، فإن لم يكن، تساووا فيه، لأن الشركة ثبتت، ولم يثبت التفضيل، فوجبت التسوية، كما لو شرك بينهم بلفظه.
وهي التبرع بتمليك مال في حياته، وهي مستحبة، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تهادوا تحابوا» . وهي أفضل من الوصية، لما روى أبو هريرة قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا» رواه البخاري، ومسلم بمعناه.
وهبة القريب أفضل، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله» . وفي هبة القريب صلته، ولا يجوز تفضيل بعض ولده على بعض في العطية، لما روى النعمان بن بشير قال: «تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد عليها رسول الله، فجاء أبي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليُشهده على صدقتي، فقال: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع أبي، فرد تلك الصدقة» رواه مسلم، وفي لفظ: «لا تشهدني على جور» متفق عليه. فسماه جوراً، والجور حرام، ولأن ذلك يوقع العداوة، وقطيعة الرحم، فمنع منه، كنكاح المرأة على عمتها، فإن فعل فعليه التسوية بأحد أمرين: إما رد عطية الأول، أو إعطاء الآخر مثله، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره برده،