قال: «السنة في حريم البئر العادي خمسون ذراعًا، والبديء خمسة وعشرون ذراعًا» رواه أبو عبيد في الأموال. وروى الخلال والدارقطني عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وقال القاضي: حريمها ما تحتاج إليه من ترقية الماء منها، كقدر مدار الثور، إن كان بدولاب، وقدر طول البئر إن كان بالسواني، وحمل التحديد في الحديث، وكلام أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على المجاز. والظاهر خلافه، فإنه قد يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء، لموقف الماشية، وعطن الإبل ونحوه. وأما العين المستخرجة، فحريمها ما يحتاج إليها صاحبها، ويستضر بتملكه عليه، وإن كثر. وحريم النهر: ما يحتاج إليه، لطرح كرايته، وطريق شاويه، وما يستضر صاحبه بتملكه عليه، وإن كثر.
فصل:
ومن تحجر مواتًا، وشرع في إحيائه ولم يتم، فهو أحق به؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» رواه أبو داود. فإن نقله إلى غيره، صار الثاني أحق به؛ لأن صاحب الحق آثره به. فإن مات، انتقل إلى وارثه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك حقًا، أو مالًا فهو لوارثه» وإن باعه ولم يصح؛ لأنه لم يملكه، فلم يصح بيعه، كحق الشفعة، ويحتمل جواز بيعه؛ لأنه صار أحق به، فإن بادر إليه غيره فأحياه، لم يملكه في أحد الوجهين؛ لمفهوم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ولأن حق المتحجر أسبق، فكان أولى، كحق الشفيع في المشتري.
والثاني: يملكه؛ لأنه أحيا أرضًا ميتة، فيدخل في عموم الحديث، ولأن الإحياء يملك به، فقدم على التحجر الذي لا يملك به، وإن شرع في الإحياء وترك، قال له السلطان: إما أن تعمر، وإما أن ترفع يدك؛ لأنه ضيق على الناس في حق مشترك، فلم يمكن منه، كالوقوف في طريق ضيق، فإن سأل الإمهال، أمهل مدة قريبة، كالشهرين ونحوهما، فإن انقضت ولم يعمر، فلغيره إحياؤها وتملكها كسائر الموات.
فصل:
وإذا كان في الموات معدن ظاهر ينتفع به المسلمون كالملح، وعيون الماء والكبريت والكحل والقار، ومعادن الذهب والفضة والحديد ومقالع الطين ونحوها، لم يجز لأحد إحياؤها. ولا تملك بالإحياء؛ لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطع أبيض بن حمال معدن الملح، فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العد رده» رواه أبو داود. وقال: «يا رسول الله، ما يحمى هذا الأراك؟ فقال: ما لم تنله أخفاف الإبل» رواه أبو داود والترمذي، ولأن هذا مما يحتاج إليه. فلو ملك بالاحتجار، ضاق على الناس وغلت أسعاره، وكذلك ما