فصل:

الضرب الثاني: الضوال، وهي الحيوانات الضائعة، وهى نوعان:

أحدهما: ما يمتنع من صغار السباع إما بقوته: كالإبل والخيل، أو بجناحه: كالطير، أو بسرعته: كالظباء، أو بنابه: كالفهد، فلا يجوز التقاطه؛ لما روى زيد بن خالد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن ضالة الإبل، فقال: ما لك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» متفق عليه. وللإمام أخذها، ليحفظها لأربابها؛ لأن للإمام ولاية في حفظ أموال المسلمين، ولهذا كان لعمر حظيرة يحفظ فيها الضوال، فإذا أخذها، وكان له حمى ترعى فيه، تركها، وأشهد عليها، ورسمها بسمة الضوال، وإن لم يكن له حمى، خلاها وحفظ صفاتها، ثم باعها، وحفظ ثمنها لصاحبها؛ لأنها تحتاج إلى علف، فربما استغرق ثمنها، وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها ولم يملكها، وإن عرفها، فإن دفعها إلى الإمام برئ من ضمانها؛ لأنه دفعها إلى من له الولاية عليها، أشبه دفعها إلى صاحبها، وإن ردها إلى موضعها، لم يبرأ؛ لأن ما لزمه ضمانه، لا يبرأ منه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق.

فصل:

النوع الثاني: ما لا ينحفظ عن صغار السباع، كالشاة وصغار الإبل والبقر ونحوها، فعن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز التقاطها؛ لأنه روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يئوي الضالة إلا ضال» رواه أبو داود. ولأنه حيوان أشبه الإبل. والمذهب جواز التقاطها؛ لما روى زيد بن خالد: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الشاة، فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه.

وهذا يخص عموم الحديث الآخر، ولأنه يخشى عليها التلف، أشبه غير الضالة، وسواء وجدها في المصر أو في مهلكة؛ لأن الحديث عام فيهما، ولأنه مال يجوز التقاطه، فاستويا فيه، كالأثمان، والعبد الصغير، كالشاة في جواز التقاطه؛ لأنه لا ينحفظ بنفسه، فأما الحمر فألحقها أصحابنا في النوع الأول؛ لأن لها قوة، فأشبهت البقر، وظاهر حديث زيد إلحاقها بالغنم؛ لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب عليها، والحمر مثلها في ذلك، وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء، وصبرها بقوله: «معها سقاءها» والحمر بخلافها.

ومتى التقط هذا النوع خير بين أكله في الحال، وحفظه لصاحبه وبيعه، وحفظ ثمنه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هي لك» ولم يأمر

هـ بحفظها، ولأن إبقاءها يحتاج إلى غرامة، ونفقة دائمة فيستغرق قيمتها، فإن اختار إبقاءها وحفظها لصاحبها، فهو الأولى متفق عليه. وينفق عليها؛ لأن به بقاءها، فإن لم يفعل ضمنها؛ لأنه فرط فيها، وإن أنفق عليها متبرعًا، لم يرجع على صاحبها، وإن نوى الرجوع على صاحبها، وأشهد على ذلك، ففي الرجوع به روايتان، بناء على الوديعة، وإن اختار أكلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015