الصياد يقع في شبكته الكيس والنحاس يعرفه سنة، فإن جاء صاحبه، وإلا فهو كسائر ماله. وهذا ظاهر كلام الخرقي. وقال أكثر أصحابنا: لا يملك غير الأثمان؛ لأن الخير ورد فيها، ومثلها لا يقوم مقامها من كل وجه؛ لعدم تعلق الغرض بعينها، فلا يقاس عليها غيرها، وقال أبو بكر: ويعرفها أبدًا، وقال القاضي: هو مخير بين ذلك، وبين دفعها إلى الحاكم. وقال الخلال: كل من روى عن أبي عبد الله أنه يعرفها سنة، ثم يتصدق بها، والذي نقل عنه أنه يعرفها أبدًا، قول قديم رجع عنه، والأول أولى؛ لما روى عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: «أتى رجل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء، أو في قرية مسكونة؟ قال: عرفه سنة، فإن جاء صاحبه، وإلا فشأنك به» رواه الأثرم. «وقال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في عيبة - والعيبة: هي وعاء من أدم توضع فيه الثياب -: عرفها سنة، فإن عرفت وإلا، فهي لك. أمرنا بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، ولأنه مال يجوز التقاطه، ويجب تعريفه فملك به، كالأثمان وقد دل الخبر على جواز أخذ الغنم مع تعلق الغرض بعينها، فيقاس عليها غيرها.
فصل:
ولقطة الحرم تملك بالتعريف في ظاهر كلامه، لظاهر الخبر، ولأنه أحد الحرمين أشبه المدينة، وعنه: لا تملك بحال، ويجب تعريفها أبدًا أو يدفعها إلى الحاكم؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة: «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» متفق عليه.
فصل:
واللقطة مع الملتقط قبل تملكها أمانة، عليه حفظها بما يحفظ به الوديعة، وإن ردها إلى موضعها، ضمنها؛ لأنه ضيعها، وإن تلفت بغير تفريط، لم يضمنا؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولتكن الوديعة وديعة عندك» ولأنه يحفظها لصاحبها بإذن الشرع، أشبه الوديعة، وإن جاء صاحبها، أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها ملكه، وإن جاء بعد تملكها أخذها؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه» ويأخذها بزيادتها المتصلة؛ لأنها تتبع في الفسوخ، وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطها؛ لأنها حدثت على ملكه، فأشبه نماء المبيع في يد المشتري، فإن تلفت بعد تملكها، ضمنها؛ لأنها تلفت من ماله، وإن نقصت بعد التملك، فعليه أرش نقصها، وإن باعها أو وهبها بعد تملكها، صح؛ لأنه تصرف صادف ملكه، فإن جاء صاحبها في مدة الخيار، وجب فسخ البيع وردها إليه؛ لأنه يستحق العين، وقد أمكن ردها إليه، وإن جاء بعد لزوم البيع، فهو كتلفها؛ لأنه تعذر ردها.