فصل:
وإذا ادعى الضامن القضاء، فأنكره المضمون له، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن الأصل معه، وله مطالبة من شاء منهما.
فإن استوفى من الضامن، لم يرجع على المضمون عنه إلا بأحد القضاءين؛ لأنه يدعي أن المضمون عنه ظلمه بالأخذ الثاني، فلا يرجع به على غيره، وفيما يرجع به وجهان: أحدهما: بالقضاء الأول؛ لأنه قضاء صحيح، والثاني ظلم.
والوجه الثاني: يرجع بالقضاء الثاني؛ لأنه الذي أبرأ الذمة ظاهراً، فأما إن استوفى من المضمون عنه، فهل للضامن الرجوع عليه؟ ينظر، فإن كذبه المضمون عنه في القضاء، لم يرجع؛ لأنه لم يثبت صدقه، وإن صدقه وكان قد فرط في القضاء، لم يرجع بشيء؛ لأنه أذن له في قضاء مبرئ لم يوجد، وإن لم يفرط رجع، وسنذكر التفريط في الوكالة إن شاء الله.
فإن اعترف المضمون له بالقضاء، فأنكر المضمون عنه لم يلتفت إلى إنكاره؛ لأن الدين حق للمضمون له، فإذا أقر أنه صار للضامن، ولأنه يثبت القضاء بالإقرار، فملك الرجوع به، كما لو ثبت ببينة، وفيه وجه آخر: أن القول قول المضمون عنه لأنه منكر.
تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحاكم بحق يصح ضمانه؛ لأنه حق لازم، فصحت الكفالة به كالدين، ولا تصح بمن عليه حد أو قصاص؛ لأنها تراد للاستيثاق بالحق، وهذا مما يدرأ بالشبهات، ولا تصح بالمكاتب؛ لأنه لا يلزمه الحضور، فلا يلزم غيره إحضاره كالأجانب وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة، كالغصوب والعواري؛ لأنه يصح ضمانها، ولا تصح في الأمانات إلا بشرط التعدي فيها كضمانها سواء.
فصل:
وإذا صحت الكفالة، فتعذر إحضار المكفول به، لزمه ما عليه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزعيم غارم» ولأنها أحد نوعي الكفالة، فوجب الغرم بها كالضمان.
فإن غاب المكفول به، أمهل كفيله قدر ما يمضي إليه فيعيده؛ لأن ما لزم تسليمه لم يلزم إلا بمكان التسليم، فإن مضى زمن الإمكان، ولم يفعل، لزمه ما عليه، أو بذل العين التي كفل بها، فإن مات، أو تلفت العين بفعل الله تعالى، سقطت الكفالة؛ لأن الحضور سقط عن المكفول به، فبرئ كفيله، كما يبرأ الضامن ببراءة المضمون عنه، ويحتمل أن لا