أحدهما: يقدم؛ لأن في تقديمه مصلحة، فإنه لو لم يقدم، تجنب الناس شراء ماله خوفاً من الاستحقاق، فيقل ثمنه، فقدم به، كأجرة المنادي.
والثاني: لا يقدم؛ لأنه حق لزمه بغير رضى صاحبه، أشبه أرش جنايته، ثم يقسم ما اجتمع من ماله بين الغرماء على قدر ديونهم. فإن ظهر غريم بعد القسمة، نقضت وشاركهم؛ لأنه غريم، لو كان حاضراً لشاركهم، فإذا ظهر بعد ذلك، قاسمهم كما لو ظهر للميت غريم بعد قسم ماله. وإن أكرى داره عاماً، وقبض أجرتها فقسمت، ثم انهدمت الدار، رجع المكتري على المفلس بأجرة ما بقي وشاركهم فيما اقتسموه؛ لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر، فشارك به الغرماء كما لو انهدمت قبل القسمة.
فصل
الحكم الرابع: أن من وجد عين ماله عنده، فهو أحق به؛ لما روى أبو هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس، فهو أحق به» متفق عليه. وله الخيار بين أخذه أو تركه، وله أسوة الغرماء، سواء كانت السلعة مساوية لثمنها، أو أقل أو أكثر؛ لأن الإعسار ثبت للفسخ فلا يوجبه كالعيب، ولا يفتقر إلى حاكم؛ للخبر، ولأنه فسخ ثبت بنص السنة، فلم يفتقر إلى حاكم، كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد. وفيه وجهان:
أحدهما: أن الخيار على التراخي؛ لأنه رجوع لا يسقط إلى عوض، كان على التراخي كالرجوع في الهبة.
والثاني: هو على الفور. اختاره القاضي؛ لأن في تأخيره إضراراً بالغرماء، لتأخير حقوقهم، ولأنه خيار يثبت في المبيع، لنقص في العوض، أشبه الرد بالعيب، فإن حكم حاكم بسقوط الخيار، فقال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ينقض حكمه؛ لأنه يخالف صريح السنة، ويحتمل أن لا ينقض؛ لأنه مختلف فيه. ولو بذل الغرماء لصاحب السلعة ثمنها ليتركها، لم يلزمه قبول؛ للخبر، ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه، فلم يجبر المستحق على قبوله، كما لو أعسر بنفقة زوجته فبذلها غيره. وسواء ملكها المفلس ببيع أو قرض، لعموم الخبر. ولو أصدق امرأة مالاً، وأفلست قبل دخوله بها، ثم ارتدت أو طلقها، ووجد عين ماله فهو أحق بها. ولو استأجر شيئاً فأفلس قبل مضي شيء من المدة، فللمؤجر الرجوع فيه؛ لأنه وجد عين ماله، وإن كان بعد مضي المدة، فهو غريم بالأجرة، وإن كان بعد مضي شيء منها، فهو غريم؛ لأن المدة كالمبيع، ومضي بعضها، كتلف بعضه. وقال القاضي: له الفسخ. فإن كان للمفلس زرع فعليه تبقيته بأجرة مثله.