قبوله، كثمن المبيع. ولا يملك إسقاط ثمن مبيع ولا أجرة، ولا أخذه رديئاً، ولا قبض المسلم فيه صفته، إلا بإذن الغرماء، لما ذكرناه. وإن ادعى مالاً له به شاهد، حلف وثبت المال، وتعلقت حقوقهم به، وإن نكل لم يكن للغرماء أن يحلفوا؛ لأن دعواهم لهذا المال غير مسموعة، فلا يثبت بأيمانهم، كالأجانب، ولأنهم لو حلفوا لحلفوا على إثبات مال لغيرهم، وكذلك الحكم في غرماء الميت، إذا لم يحلف الوارث، لم يحلفوا لما ذكرنا.
فصل
والحكم الثالث: أن للحاكم بيع ماله، وقضاء دينه. ويستحب أن يحضره عند البيع؛ لأنه أعرف بثمن ماله، وجيده ورديئه، فيتكلم عليه، وهو أطيب لقلبه، ويحضر الغرماء؛ لأنه أبعد من التهمة، ربما رغب بعضهم بشراء شيء، فزاد في ثمنه، أو وجد عين ماله فأخذها، فإن لم يفعل جاز؛ لأن ذلك موكول إليه، ويقيم منادياً ينادي على المتاع. فإن عين المفلس والغرماء منادياً ثقة، أمضاه الحاكم. وإن لم يكن ثقة رده؛ لأن للحاكم نظراً، فإنه ربما ظهر غريم آخر. وإن اختلفوا في المنادي، قدم الحاكم أوثقهما وأعرفهما، فإن تطوع بالنداء ثقة، لم يستأجر؛ لأن فيه بذل الأجرة من غير حاجة، وإن عدم، بذلك الأجرة من مال المفلس؛ لأن البيع حق عليه، ويقدم على الغرماء بها؛ لأنه لو لم يعط، لم يناد. وكذلك أجرة من يحفظ المتاع والثمن، ويحمله ويباع كل شيء في سوقه؛ لأن أهل السوق أعرف بقيمة المتاع وأرغب، وطلابه فيه أكثر. فإن باعه في غيره بثمن مثله، جاز؛ لأنه ربما أداه اجتهاده إلى ذلك لمصلحة فيه، ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد؛ لأن في تأخيره هلاكه، ثم بالحيوان؛ لأنه يحتاج إلى العلف، ويخشى عليه التلف، ثم بالأثاث؛ لأنه يخشى تلفه، وتناله اليد، ثم بالعقار؛ لأنه أبعد تلفاً، وتأخيره أكثر لطالبيه، فيزداد ثمنه. ومن وجد من الغرماء عين ماله، فهو أحق بها. ومن اكترى من المفلس داراً، أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه، فهو أحق به؛ لأنه استحق عينه قبل إفلاسه، فأشبه ما لو اشترى منه عبداً. وإن اكترى منه ظهراً في الذمة، فهو أسوة الغرماء؛ لأن دينه في الذمة أشبه سائر الغرماء، وإن كان في المتاع رهن أو جان، قدم الراهن والمجني عليه بثمنه؛ لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة، بخلاف سائر الغرماء، وحق المجني عليه يقدم على حق المرتهن، فعلى غيره أولى. وإن فضل منه فضل، رده على التركة، وإن لم يف بحقهما، فلا شيء للمجني عليه؛ لأنه لا حق له في غير الجاني، ويضرب المرتهن مع الغرماء بباقي دينه؛ لأن حقه متعلق بالذمة مع تعلقه بالعين، وإن بيع له متاع، فهلك ثمنه، أو استحق المبيع، رجع المشتري بثمنه. وهل يقدم على الغرماء؟ فيه وجهان: