فصل
ولا يملك الرجوع إلا بشروط خمسة:
أحدها: أن يجدها سالمة. فإن تلف بعضها، أو باعه المفلس، أو وهبه، أو وقفه، فله أسوة الغرماء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به» والذي تلف بعضه لم توجد عينه. فإن كان المبيع عبدين، أو ثوبين، فتلف أحدهما أو بعضه، ففي السالم منهما روايتان:
إحداهما: له الرجوع فيه بقسطه؛ لأنه وجده بعينه.
والثانية: لا يرجع؛ لأنه لم يجد المبيع بعينه، أشبه العين الواحدة. وإن كان المبيع شجرة مثمرة، فتلفت ثمرتها، فله أسوة الغرماء؛ لأنهما كالعين الواحدة، إلا أن تكون الثمرة مؤبرة حين البيع، فاشترطها المبتاع، فهما كالعينين؛ لأن الثمرة لا تتبع الأصل، فهي كالولد المنفصل. وإن نقص المبيع صفة، مثل أن هزل، أو نسي صناعة، أو كبر، أو كان ثوباً فخلق، لم يمنع الرجوع؛ لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين المال، فيتخير بين أخذه ناقصاً، أو يكون أسوة الغرماء بكل الثمن. وإن فقئت عينه، فهو كتلف بعضه، وإن شج، أو جرح، أو افتضت البكر، فكذلك في قول أبي بكر؛ لأنه نقص جزء ينقص قيمته، فأشبه ما لو فقئت عينه. وقال القاضي: قياس المذهب أن له الرجوع؛ لأنه فقد صفة، فهو كالهزال، ثم إن كان لا أرش له لكونه حصل بفعل الله تعالى، أو فعل المفلس، فلا شيء للبائع مع الرجوع، وإن كان له أرش، فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من ثمنه، فينظر ما نقص من قيمته فيرجع بقسطه من الثمن؛ لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن والأرش للمفلس على الجاني.
فصل
فإن كان المبيع زيتاً، فخلطه بزيت آخر، أو لت به سويقاً، أو صبغاً فصبغ به ثوباً، أو مسامير فسمر بها باباً، أو حجراً فبنى به، أو لوحاً فجعله في سفينة، أو سقف أو نحو ذلك، لم يكن له الرجوع؛ لأنه لا يقدر على أخذ عين ماله في بعض الصور، ولا يقدر في بعضها إلا بإتلاف مال المفلس، ولا يزال الضرر بالضرر. وإن كانت حنطة، فطحنها أو زرعها، أو دقيقاً فخبزه، أو زيتاً فعمله صابوناً، أو غزلاً فنسجه، أو ثوباً فجعله قميصاً، أو حباً فصار زرعاً، أو بيضاً فصار فرخاً، أو نوى فنبت شجراً، أو نحوه مما يزيل اسمه، فلا رجوع له؛ لأنه لم يجد متاعه بعينه، لتعذر اسمه وصفته.