القبض. وعنه: أن المنع يختص ما ليس بمتعين، كقفيز من صبرة، ورطل زيت من دن. وما بيع صبرة، أو جزافاً جاز بيعه قبل قبضه، وهو قول القاضي وأصحابه، لأنه يتعلق به حق توفية بخلاف غيره. وعنه: أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه. لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار» رواه أبو داود.
وقال ابن عباس: أحسب كل شيء بمنزلة الطعام. ولأنه لم يتم ملكه عليه أشبه المكيل، والمذهب الأول. وما بيع بصفة أو برؤية متقدمة فهو كالمكيل، لأنه لا يتعلق به حق توفية، فأشبه المكيل والموزون، وما حرم بيعه قبل قبضه لم يجز بيعه لبائعه، لعموم النهي، ولا الشركة فيه، لأنه بيع لبعضه، ولا التولية، لأنه بيع بمثل الثمن الأول. فأما الثمن في الذمة، فيجوز بيعه لمن هو في ذمته لما روى ابن عمر قال: «كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم، فسألنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال: لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء» رواه أبو داود، ولا يجوز بيعه لغير من هو في ذمته، لأنه معجوز عن تسليمه، فأشبه بيع المغصوب لغير غاصبه، وما كان من الدين مستقرا كالقرض فهو كالثمن، وما كان غير مستقراً كالمسلم فيه لم يجز بيعه بحال، لا لصاحبه ولا لغيره، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره» رواه أبو داود.
فصل:
وكل عقد ينفسخ بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة، والصلح حكمه حكم البيع فيما ذكرناه، وما لا ينفسخ كالخلع، والعتق على مال والصلح عن دم العمد جاز التصرف في عوضه قبل قبضه، طعاماً كان أو غيره، وكذلك أرش الجناية، وقيمة المتلف، والمملوك بإرث أو وصية أو غنيمة إذا تعين ملكه فيه، لأنه لا يتوهم غرر الفسخ بهلاك المعقود عليه جاز بيعه كالوديعة، والصداق كذلك. قاله القاضي لأنه لا ينفسخ العقد بتلفه، فهو كعوض الخلع. وقال الشريف وأبو الخطاب: هو كالمبيع، لأنه يخشى رجوعه بانفساخ النكاح بالردة فأشبه المبيع.
فصل:
وقبض كل شيء بحسبه، المكيل المبيع مكايلة قبضه كيله، لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله» رواه مسلم. وإن بيع جزافاً فقبضه نقله لما روى ابن عمر قال: «كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا