ويحصل التحلل الثاني بالثالث، إن قلنا: الحلق نسك، وإن قلنا: ليس بنسك، حصل التحلل الأول بواحد من اثنين، وهما الرمي والطواف، وحصل التحلل الثاني بالثالث.
فصل:
قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في المتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة: يبدأ قبله بطواف القدوم، ويسعى بعده، ثم يطوف للزيارة بعدهما. وهكذا القارن والمفرد، إذا لم يكونا دخلا مكة قبل يوم النحر، ولا طافا للقدوم، فإذا دخلا للإفاضة، بدآ بطواف القدوم، وسعيا بعده، ثم طافا للزيارة،؛ لأن طواف القدوم مشروع، فلا يسقط بتعيين طواف الزيارة إلا أنه قال في المرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج: أهلت الحج، وكانت قارنة، ولم يكن عليها قضاء طواف القدوم.
واحتج أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم» ، متفق عليه، قال الشيخ: لم يتبين لي من هذا الحديث إلا أن طواف القدوم في حقهم غير مشروع، لكونهم لم يطوفوا بعد الرجوع من منى إلا طوافاً واحداً، ولو شرع طواف القدوم لطافوا طوافين، ولأن عائشة لم تطف للقدوم حين أدخلت الحج على العمرة، ولم تكن طافت له قبل ذلك؛ لأن طواف القدوم تحية المسجد، فسقط بتعيين الفرض، كتحية المسجد في حق من دخل وقد أقيمت المفروضة.
فصل:
يوم الحج الأكبر يوم النحر، لما تقدم من حديث ابن عمر، سمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه، فإنه يفعل فيه ستة أشياء: الوقوف في المشعر الحرام، ثم الإفاضة إلى منى، ثم الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم طواف الزيارة. والسنة: ترتيبها هكذا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتبها في حديث جابر وغيره، فإن فعل شيئاً قبل شيء، جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، لما روى ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له يوم النحر، في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير. قال: لا حرج» متفق عليه. فإن فعل ذلك عالماً ذاكراً، ففيه روايتان:
إحداهما: لا شيء عليه للخبر.
والثانية: عليه دم؛ لأن الله تعالى قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . ولأن الحلق كان محرماً قبل التحلل الأول، ولا يحصل إلا بالرمي.