والثانية: لا شيء عليه سوى فعله؛ لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . ولم يبين آخره؛ لأنه لو أخر الطواف لم يلزمه إلا فعله، فالحلق أولى، ويستحب لمن حلق أن يأخذ من شاربه وأظفاره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حلق رأسه، قلم أظفاره، ولا بأس أن يتطيب؛ لقول عائشة: «طيبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحرمه حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت» . متفق عليه.
فصل:
ويسن أن يخطب الإمام يوم النحر بمنى خطبة، يعلمهم فيها الإفاضة والرمي والمبيت بمنى، وسائر مناسكهم، لما روى ابن عمر قال: «خطبنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر فقال في خطبته: إن هذا يوم الحج الأكبر» رواه البخاري. ولأنه يوم فيه وفيما بعده مناسك، يحتاج إلى العمل بها، فشرعت فيه الخطبة، كيوم عرفة.
فصل:
ثم يفيض إلى مكة، فيطوف بالبيت طوافاً ينوي به الزيارة، ويسمى طواف الزيارة، وطواف الإفاضة، وهو ركن الحج لا يتم إلا به؛ لقول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] . وروت عائشة: «أن صفية حاضت. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت. قال: فلتنفر إذا» متفق عليه. فدل على أنه لا بد من فعله.
وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، لحديث أم سلمة، والأفضل فعله يوم النحر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رمى الجمرة أفاض إلى البيت، في حديث جابر. وإن أخره جاز؛ لأنه يأتي به بعد دخول وقته، فإذا فرغ منه، حل له كل شيء؛ لقول ابن عمر: «أفاض بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه» ، يعني: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وعن عائشة: مثله. متفق عليهما.
وإن أفاض قبل الرمي حل التحلل الأول ووقف الثاني على الرمي، فإن فات وقته قبل رميه سقط وحل التحلل الثاني بسقوطه، وهذا في حق من سعى مع طواف القدوم، أما من لم يسع فعليه أن يسعى بعد طواف الزيارة، ويقف التحلل على السعي.
قال أصحابنا: يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة، الرمي والحلق والطواف،